اللهم صل على محمد وآل محمد
بهلول
بهلول رجل اسمه وهب بن عمرو عاش في زمن الأمام موسى الكاظم عليه السلام وكان للأمام جمهور كبير من الناس , حيث كان يشكل خطراً كبيراًعلى هارون الرشيد خليفة بغداد , ولما كان البهلول من المقربين الى الخليفه ومن علماء ذلك العصر أراد هارون إجباره على التوقيع في ورقه أصدر فيها أمره بقتل ألأمام الكاظم عليه السلام , ذهب البهلول الى الأمام عليه السلام وأخبره بذلك وطلب من الأمام ان يهديه سبيلا للخلاص من هذه الورطه , فأمره الأمام عليه السلام أن يتظاهر بالجنون ليكون في امان من سطوة هارون.
ومن هنا سنقدم لكم كل يوم قصة لنستقي منها المواعظ والحكم ..
هذه قصه من قصص بهلول التي تدل على مدى علم بهلول وذكاءه .
((ابو حنيفه وبهلول ))
كانت دار أبي حنيفة في إحدى محال بغداد القديمه , وكان جماعه من طلاب العلوم الأسلاميه يقصدون هذه الدار يومياً للحضور في درس أبي حنيفة الذي كان يعقده فيها , وفي احد الأيام دخل بهلول دار أبي حنيفه وجلس في غرفة الدرس .
فسح الحاضرون المكان لبهلول عندما رأوه يدخل لكنه جلس عند الباب , ثم مدد إحدى رجليه وثني الأخرى وأخد يستمع الى أبي حنيفه .
كان لأبي حنيفه طلابا كثيرين جداً بحيث كانوا يعدون أستاذهم من اعلم علماء بغداد .
تكلم أبو حنيفه وقال : (( اعلموا أن جماعة من المسلمين يعتقدون أن ابليس يعذب يوم القيامه بالنار , وأني اخالف ذلك))
قال أحد التلاميد وقد أسند ظهره إلى جدار الدار : (( أيها الشيخ , ماهو دليلك على ماتقول )).
قال أبو حنيفه ـ بعدما سعل قليلاً ـ : ((نعم , إن إبليس مخلوق من النار , وجهنم هي النار, فكيف تحرق النار نفسها ؟))
أخد الجالسون ينظر أحدهم بوجه الأخر لكن لم يجرأ أحد على التفوه بشيء .
أخد أبو حنيفه ـ كالفارس المنتصر في الميدان ـ ينظر إلى الحاضرين نظرة عجب وغرور , لكنه لم يغفل عن بهلول الذي كان واضعا يديه تحت ابطيه وينظر الى أبي حنيفه نظرة هادئه .
استأنف أبو حنيفه الكلام ـ بعد فاصل قليل ـ فقال : (( الأمر الأخر الذي لا أرتضيه , هو ماتعتقده هذه الطائفه من المسلمين (يقصد الشيعه ) حيث يعتقدون بأن الله تعالى لاتمكن رؤيته , إذ كيف يكون الشيء موجودا ولايمكن رؤيته ؟)) .
قطع أبو حنيفه كلامه هنيئه ليرى مدى تأثير ماذكره على الحاضرين , لكن هذه المره كان السكوت مخيماً على المجلس أكثر من السابق .
قال أبو حنيفه بصوت أعلى : ((أيها الناس , انهم يقولون بأن الله تعالى خالق كل شيء , ومع ذلك يعتقدون بأن الأنسان فاعل مختار في فعله , وهذا يعني الجمع بين الجبر والأختيار وهما مستحيلان عقلا ...))
قال احد الحاضرين : (( ماهو رأيك في ذلك ياشيخ ))
مرر أبو حنيفه يده على ناصيته ثم قال: (( إعلموا أن كل شيء ـ في رأيي ـ هو من الله تعالى , وأن الأنسان
غير مختار في أفعاله )) .
عرف ابو حنيفه أن كلامه أثر في قلوب الحاضرين , وأنه تمكن من إ قناعهم بأفكاره , ومان يحب أن يفصح عن عقائده أكثر لولا حيلولة ماحدث له في المجلس الدرس , فأنه فوجأ بحجر اصاب جبينه فأدماه , وبذلك زالت أفكاره واضطرب المجلس , التفت الحاضرون إلى بهلول وهم يتسألون : ((لماذا فعل بهلول ذلك )).
دار جماعه من المقربين لأبي حنيفه ببهلول والغضب يتطاير من أعينهم من دون أن يجرأ أحد منهم على إهانته لقرابته من الخليفه , فأنه لو كان أحد غير بهلول فعل بأبي حنيفه ذلك لم يكن يخرج من المجلس سالماً بل كان ينهك ضربا من قبل اتباع أبي حنيفه .
نظر أبو حنيفه الى بهلول وهو ـ أبو حنيفه ـ واضعاً يده على الجرح والغضب قد استولى عليه ,فقال : ((لأشكونك الى الخليفه )) فأجابه بهلول بهدوء : ((وأنا اذهب معك )).
قال أبو حنيفه ـ وهو متعجب من كلام بهلول ـ لمن حوله : (( إذن أشهدوا لي عند الخليفه بذلك )).
خرج بهلول من دار أبو حنيفه وكأنه لم يسمع او يفعل شيئاً , ودخل ابو حنيفه بعد ساعه مجلس الخليفه وهو معتصب الراس , فلما رأه الخليفه تعجب من ذلك لعلمه بمكانة ابي حنيفه في بغداد وماله من اتباع .
أخذ أبو حنيفه يشرح للخليفه ماحدث , أمتعض الخليفه من فعل بهلول , فأصدر امرا بأحضاره على الفور .
أسرع رجال الشرطه في البحث عن بهلول لكنهم ثمة بحثٍ يسير عثروا عليه وهو في طريقه الى القصر .
ولما حضر بهلول المجلس ـ وأثار السكينه عليه ـ صاح به الخليفه : (( لمَ شدخت هدا العالم الجليل ؟!)) .
سوى بهلول رداءه على كتفيه ثم قال : (( لم أفعل ذلك )).
قال ابو حنيفة ((كيف ....كيف تدعي ذلك ؟! أيها الظالم أن لي شهوداً )).
قال بهلول : (( قل لي لو سمحت ماهو الظلم الذي صدر مني))؟ .قال أبو حنيفة : (( شدخت رأسي بحجر وهذا الألم في رأسي لم يكد ينفك عني )) ثم التفت إلى جملة من تلامذته وقال : (( أتشهدون بذلك)) .
قالوا: (( نعم ))
قال بهلول: (( أتدعي الألم في راسك, أين هو إذن ارنيه ؟!))
هزأ أبو حنيفة به وقال( وهل يرى الألم لكي أريكه؟!))
قال بهلول : ((ليس للألم وجود , وأنت كاذب في دعواك,لأنك تعتقد أن الشيء مالم تمكن رؤيته فهو غير موجود )).
وضع أبو حنيفة يده على رأسه متحيرا من جواب بهلول.
ثم التفت بهلول إلى تلامذة أبو حنيفة قائلا : ((إن الحجر لا يمكن أن يؤدي أستاذكم )).
أخد التلامذة أبي حنيفة ينظرون مبهوتين ماذا سيفعل استاذهم وما سيقول ؟! ولكن بهلول لم يمهل أبا حنيفة في الجواب, فقال : ((إن الإنسان من تراب , والحجر من تراب , فكيف يمكن أن يؤدي التراب التراب ؟!)).
أدرك أبو حنيفة أن بهلول يريد بذلك حربا في العقيدة شعواء لا هوادة فيها .
سوى بهلول رداءه مرة أخرى وقال لهارون: ((يعتقد أبو حنيفة بأن الإنسان غير مختار في أفعاله , فلا ذنب لي لأني في نظره غير مختار في ما فعلت ))
بهت هارون من جواب بهلول ولم ينطق بشيء .
بقي أبو حنيفة وهو يلوم نفسه خجلاً وعرف أن كل ما أنزل به كان بسبه .
تحياتي وتمنياتي للجميع بالفائدة