جولة عرفانيه تساعد في ترقية الروح
اللهم صلّ على محمد و آل محمد و عجل فرجهم
يقول إمام علي عليه السلام:
((الناس ثلاثة: فعالِمٌ ربّاني, و متعلّم على سبيل نجاة, وهمجٌ رَعاع أتباعُ كل ناعق, يميلون مع كلّ ريح ,لم يستضيئوا بنور العلم, ولم يلجأوا إلى ركن وثيق فيَنجوا ))
ما هو العلم الذي يُنجينا ؟؟ و مما ينجينا ؟؟ و كيف نتعلمه ؟؟و الأهم كيف نعمل به دون تكلف أو عناء ؟؟
هذه أسئلة تطرح نفسها .. العرفان من جملة العلوم الدينية بل هو أساسها لأنه يركز على الرابط المقدس و العظيم بين العبد وربة وما هي مدى العلاقة بينهما و تعزيزها و زيادة تماسكها بأفضل الطرق و أسماها
النتيجة المطلوبة من سلوك الطريق هي دوما رضا الله المطلق فقط بحيث نتخلص من أعظم حجابان على القلب وهما ( الحجاب الظلماني و النوراني ) اللذان يشير إليهما روح الله الخميني ق.س , في كتبه و هو كما يعرف بالبديهة أن الحجاب الظلماني الذنوب و المعاصي و كل حرام و كل شبه و تجنب قدر المستطاع للمكروهات لأن لها تبعات و آثار على القلب أو على شؤون حياته كالرزق و عدم التوفيق ... و غيرها , أما الحجاب النوراني : هو بأن نعبد الله عبادة الأحرار و ليس العبيد أي الخوف من ناره و عذابه و شدة انتقامه ولا عبادة التجار لأجل الفوز بنعيم الجنة و الرقي بدرجاتها بل عبادة حر طالب الرضا و القرب من محبوبة , لأن طلب الجنة و الخوف من النار يكون حجاب بينك و بين الله لأنك تطلب من خلالها مصلحة لا عبادة ذاتية لله و قربة له و الاعتراف له بالعبودية و التوحيد .
سلوك طريق الله أي المسمى بالمقامات الروحية و تتدرج إلى العرفان.. لا يمكن حصره في نوع من العبادة و أن كان أساسة سمو و علو الأخلاق أي الإكسير الأعظم كما يسمونه العلماء الأوائل و من ثم معرفة كل حلال و حرام و مستحب و مكروه , قلت سابقا أن المكروهات لها تبعات أيضا ترك المستحب له تبعات سلبيه علينا لا ندركها و العمل بها آثار اجابية عظيمة أيضا لا ندركها إنطلاقاً من قاعة يجب أن تضعها أمام كل عمل و أن صغر ومن أي عضو بالجسم حتى السماع أي السمع بدون قصد وهي
( كل شيء له أثر )
والأهم فيه أن كل عمل يكون بنية القربة لله و كسب رضاه
الزهد و العبادت جانب من العرفان وله أهمية كصلاة الليل و عمل المستحبات كتعقيب الصلوات أو المداومة على أوراد خاصة .. ولكن المبتدء عليه أن يبدء بإتقان الأعمال الواجبه كصلوات الخمس بشروطها و تكلم السيد الخميني قدس سره في كتاب ( أسرار الصلاة ) أنصحكم بقرائته و كذلك كتابة ( جهاد النفس ) و (وصايا عرفانية ) و ( أربعون حديثاً)
آثار سلوك هذا الطريق على حسب علمي القاصر :
هناك أنس وراحة نفسية و فكرية و سوف تلاحظ أستشعار قوي بوجود الله و رهبته في نفسك دائماً مع الأنس به جلا و علا وكذلك من تحسن في جميع أحوالك الإجتماعية و المادية و الأسرية لآن ( من كان مع الله كان معه ) وهذا يزاد مع زيادة قوة علاقتك بالله
لآن العرفان درجات و كل درجة هي قرب من الله بتالي لها أمتيازات و كرامات و فيض من الله على هذا العبد كلما أرتقى من قربه كما نجد عند بعض العلماء المكاشفة و خدمته من الملائكة و غير ذلك ولكن يظل هذا الفيض كرم من الله و ليس هدف .. كما في الحديث القدسي يقول: «عبدي اطعني تكن مثلي، أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون» و أذكر قصة بالمناسبة :
ينقل أن أحد العلماء المتقين في تبريز -وهي مدينة من مدن إيران الشمالية الغربية - أنه كان يمرّ فرأى أناساً مجتمعين في الطريق فسألهم عن سبب اجتماعهم؟
فقالوا له وهم يشيرون بأيديهم إلى الأعلى: أترى الطفل على الميزاب؟ انه زحف بنفسه حتى وصل إلى الميزاب وهو مشرف على السقوط، ولا ندري ما نفعل معه؟
فلا يد تصل إليه من السطح لأخذه من على الميزاب، ولا سلّم نرتقي إليه لأخذه من عليها، وها نحن متحيرون في أمره حيث لا نرى طريقاً لنجاته، فلا نرى إلا أنه سيسقط ويموت!!
وبالفعل فقد زحف الطفل وانزلق من على الميزاب وهوى نحو الأرض، لكن الغريب الذي حدث ولفت أنظار المجتمعين هو: أن هذا العالم المتقي، الذي وقف معهم يسألهم عن اجتماعهم،
التفت إلى الطفل وهو في حال الهوي وقال يخاطبه: قف في مكانك.. وإذا بالطفل يبقى - بإذن الله تعالى - معلّقاً بين السماء والأرض ويمدّ ذلك العالم المتقي يده نحو الطفل ويأخذه بيده ويضعه على الأرض سالماً.
وهنا ازدحم الناس على العالم والتفّوا حوله يسألونه عن أمره وهل أنه يعرف الاسم الأعظم وقد قرأه على الطفل فاستجاب الله تعالى له؟!
أجابهم العالم قائلاً: كلا، إني لم اعرف الاسم الأعظم، ولكني رأيت الحديث القدسي يقول: «عبدي اطعني تكن مثلي، أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون»
وأنا أطعت الله على علم ومعرفة، فأعطاني الله سبحانه وتعالى ما وعدني به.
ولكن أكبر آفة لهذا الطريق هو الكبر و الغرور و توهم أنه أفضل من غيره .. و أختم كلامي بمقطع من مناجاة تصف أهل العرفان :
إلهِي فَاجْعَلْنا مِنَ الَّذِينَ تَرَسَّخَتْ أَشْجارُ الشَّوقِ إلَيْكَ فِي حَدآئِقِ صُدُورِهِمْ، وَأَخَذَتْ لَوْعَةُ مَحَبَّتِكَ بِمَجامِعِ قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ إلَى أَوْكارِ الأَفْكارِ يَأْوُونَ، وَفِي رِياضِ الْقُرْبِ وَالْمُكاشَفَةِ يَرْتَعُونَ، وَمِنْ حِياضِ الْمَحَبَّةِ بِكَأْسِ الْمُلاطَفَةِ يَكْرَعُونَ، وَشَرايعَ الْمُصافاةِ يَرِدُونَ، قَدْ كُشِفَ الْغِطآءُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ، وَانْجَلَتْ ظُلْمَةُ الرَّيْبِ عَنْ عَقآئِدِهِمْ، وَانْتَفَتْ مُخالَجَةُ الشَّكِّ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَرآئِرِهِمْ، وَانْشَرَحَتْ بِتَحْقِيقِ الْمَعْرِفَةِ صُدُورُهُمْ، وَعَلَتْ لِسَبْقِ السَّعادَةِ فِي الزَّهادَةِ هِمَمُهُمْ، وَعَذُبَ فِي مَعِينِ الْمُعامَلَةِ شِرْبُهُمْ وَطابَ فِي مَجْلِسِ الأُنْسِ سِرُّهُمْ، وَأَمِنَ فِي مَوْطِنِ الْمَخافَةِ سِرْبُهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ بِالرُّجُوْعِ إلى رَبِّ الأَرْبابِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَيَقَّنَتْ بِالْفَوْزِ وَالْفَلاحِ أَرْواحُهُمْ، وَقَرَّتْ بِالنَّظَرِ إلى مَحْبُوبِهِمْ أَعْيُنُهُمْ، وَاسْتَقَرَّ بِإدْراكِ السُّؤْلِ وَنَيْلِ الْمَأْمُولِ قَرَارُهُمْ، وَرَبِحَتْ فِي بَيْعِ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ تِجارَتُهُمْ.