[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
تقدم التلميذ لمعلمه ليبث له ما علق في ذهنه من سؤال..
سؤال انساب لروحه ليعرف ما عليه أن يفعل ليتقدم خطوة إلى الأمام..
-معلمي: أيهما يسبق الآخر: صفاء النفس أم علو المنزلة؟
مثلا: لو صمت عن ذوات الأرواح وحصل معها الصفاء لنفسي هل تعتلي معها منزلتي؟
أم لو ارتفعت منزلتي بالعبادة تصفو معها روحي؟
فأجابه المعلم بكل حنان وبلمسة أبوية معهودة يحفها العطف والنظرة الثاقبة :
أولا صفاء الروح يا بني قبل العلو لأنه لولا الصفاء في النفس لما وصلنا إلى العلو قال تعالى: "وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"
إذن نهي النفس عن الهوى يحصل معه العلو
وقد ترجم أحد العرفاء قائلا: إن الله خلق سبع سماوات ومن الأراضين مثلها فكانت سبع نفوس وسبع طبقات في داخل جسد الإنسان
فالجسد الأول يحمل الشهوات فإذا قتلها وصل إلى السماء الأولى وأما طبقة الجسد يطمرها في الأرض أي يدفن هواها هذا قصده وهكذا بقية الأجساد وكل منها يحمل صفة الأنانية والأخرى الحقد والأخرى الطمع والأخرى حب المال فكلما دفن الجسد في عالم الدنيا ودفنها أي يمنع نفسه عنها فيصل إلى السموات ويبقي الأجساد في الأرض أي الطباع التي ذكرتها حتى يصل إلى أخر جسد وهو الموت المحتم القضاء الذي ينقل الإنسان روحا ونفسا إلى آخر مرحلة ويدفن الجسد في الأرض وهو الموت الحقيقي الوجداني فإنه يصل إلى خالقه وهي السماء السابعة
إلى الحق الحقيقي ولهذا يصل روحا وقد مات الجسد...
والروح تصعد إلى الله ودليل قولنا هذا كما ورد عن أهل البيت " عليهم سلام الله "بما معناه:"إذا صليتم صلاة الليل فإذا أصبحتم ومشيتم على الأرض ظننتم أنكم تمشون في الأرض وما أنتم إلا في السماء السابعة "
فسبحان الله هذه مرحلة العروج إلى الله ونحن في دار الدنيا
ولهذا يدخل أحد الناس على الإمام علي "عليه السلام" وقد ضربه عبد الرحمن ابن ملجم لعنه الله - فقال له يا أبا الحسن كيف تجد الموت؟ -قال (بما معناه):والله مثل الظمآن الذي في صحراء ثم يشرب فيشرب ماءا باردا فيرويه.
انظر كيف هوالموت في نظر إمامنا علي -عليه السلام- وكان يقول: ) متى يأتي أشقاها فيخضب هذه من هذا )مشيرا إلى هامة رأسه ولحيته.
هكذا كان يستأنس بالموت كما يستأنس الطفل بمحالب أمه لاحظ ذلك
وأما الصوم عن ذوات الأرواح أو التقليل منها ومن مشتقاتها فقد ورد عن الإمام علي -عليه السلام- قال ":لا تجعلوا بطونكم مقبرة للحيوانات"
لماذا؟! أعطيك مثالا: لو دفنّا قطعة لحم في الأرض وبعد مدة أخرجناها، كيف ستكون رائحتها؟ سنجدها كريهة.
حتى أنه يرافق أفواه بعض الناس ممن يكثرون من أكل اللحم رائحة كريهة.
وكذلك إنها حيوانات بريئة سخرها الله العظيم لنا.. لكننا نحن عندنا قلوب وواجب أن نرحمها. حقا ليس حرام أكلها لكن يكره الإكثار منها في بطوننا..
أختصر قول الإمام علي -عليه السلام- في آخر كلام له في ليلة استشهاده حيث قال لأم كلثوم-عليها السلام- يا بنية ما من أحد طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلا وطال وقوفه بين يدي الله -عز وجل- يوم القيامة ....)وقد قدمت له طبقا فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملح جريش
فلم يرضى فقد رفض.. فماذا رفعت أم كلثوم-عليها السلام-؟! رفعت المشتق الحيواني وهو اللبن .
وانظر إلى شفقته حينما خرج تعلق به إوز قد أهدي إلى الإمام الحسن -عليه السلام- فقال:"يا بنية، بحقي عليك إلا ما أطلقتيه، فقد حبست ما ليس له لسان، ولا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش، فأطعميه واسقيه، وإلا خلي سبيله يأكل من حشائش الأرض"
انظر وقد علمت هذه الحيوانات الصغيرة أن عليا إذا خرج فإنه لا يرجع بعد ذلك إلا وهو مضروب الرأس.. ويموت بعدها وهي اللحظة التي كان ينتظرها .. ولهذا صحن بوجهه ورفرفن بأجنحتهن فدافع عنهن روحي له الفداء .
هكذا الحياة والارتقاء.. فالصفاء قبل العلو..
وإبليس لما كان مؤمن كان في الجنان لأنه كان يحمل صفاء لكنه لما فقده نزل إلى العالم السفلي وهي آخر طبقات الأرض.
وحتى لما دخل لآدم -عليه السلام- في الجنة ليغويه دخل إلى جنة الدنيا لأن جنة الآخرة لا يدخلها شيطان ومن دخلها لا يخرج منها.
إلى هنا انتهت كلمات المعلم فبارك الله فيه وفي فمه الذي يتقاطر شهدا
ونفع الله به تلميذه