بلاغة الإمام علي (ع).
قال أبو عبيدة ارتجل علي بن أبي طالب عليه السلام تسع كلمات قطعت أطماع البلغاء عن واحدة منها..
ثلاث في المناجاة , وثلاث في العلم , وثلاث في الأدب .
أما في المناجات فقوله عليه السلام ..
كفاني عزاً أن تكون لي رباً.
كفاني فخراً أن أكون له عبداً.
أنت لي كما أحب فوقني لما تحب !!
و أما التي في العلم فقوله عليه السلام..
المرء مخبوء تحت لسانه.
ما ضاع أمرؤ عرف قدره.
تكلموا تعرفوا.
و أما التي في الأدب فقوله عليه السلام..
أنعم على من شئت تكن أميره , استغن عن من شئت تكن نظيره , واحتج إلى من شئت تكن أسيره.
(سلوني قبل أن تفقدوني:29)
مفاخرة علي (ع).
روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني عن ابن بريدة عن أبيه قال: بينا شيبة بن أبي طلحة العباس عم النبي يتفاخران إذ مر بهما علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: بماذا تتفاخران؟ فقال العباس: لقد أوتيت من الفضل ما لم يؤت أحد: سقاية الحاج.
وقال شيبة: أوتيت عمارة المسجد الحرام.
فقال علي (عليه السلام) استحييت لكما فقد أوتيت على صغري ما لم تأتيا، فقالا: وما أوتيت يا علي؟ قال: ضربت خراطيمكما بالسيف حتى آمنتما بالله ورسوله.
فقام العباس يجر ذيل ثوبه حتى دخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال: أما ترى إلى ما يستقبلني به علي؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): ادعوا لي علياً فدعي له، فقال: ما حملك على ما استقبلت به عمك؟ فقال: يا رسول الله صدمته (دفعته) بالحق، فمن شاء ليغضب ومن شاء فليرضى.
فنزل جبرائيل وقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: أتل عليهم: " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [التوبة : 19] " فقال العباس: إنا قد رضينا ـ ثلاث مرات.
(الإمام علي من المهد إلى اللحد:الليلة السابعة)
إيمان علي (ع) بلسان أعدائه.
اتى عمر بن الخطاب رجلان يسألان عن طلاق الامة , فالتفت إلى خلفه فنظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أصلع ماترى في طلاق الأمة ؟ فقال بإصبعه هكذا – و أشار بالسبابة و التي تليها – فالتفت اليهما عمر و قال : اثنتان , فقالا : سبحان الله جئناك و انت أمير المؤمنين فسألناك فجئت الى رجل سألته والله ما كلمك , فقال عمر : تدريان من هذا ؟ قالا: لا , قال : هذا علي بن أبي طالب , سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول : لو أن السماوات السبع و الأرضين السبع وضعتا في كفة ووضع ايمان علي في كفة لرجح إيمان علي عليه السلام.
(أمالي الطوسي: 422/14)
النبي(ص) واعرابي.
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله اشترى من أعرابي ناقة بأربعمائة درهم ، فلما قبض الاعرابي المال صاح : الدراهم والناقة لي ، فأقبل أبوبكر فقال : اقض فيما بيني وبين الاعرابي ، فقال : القضية واضحة ، تطلب البينة ! فأقبل عمر فقال كالاول ، فأقبل علي عليه السلام فقال صلى الله عليه وآله : أتقبل بالشاب المقبل ! قال : نعم ، فقال الاعرابي : الناقة ناقتي والدراهم دراهمي ، فإن كان محمد يدعي شيئا فليقم البينة على ذلك ، فقال عليه السلام : خل عن الناقة وعن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث مرات فاندفع ، فضربه ضربة فاجتمع أهل الحجاز أنه رمى برأسه ، وقال بعض أهل العراق : بل قطع منه عضوا فقال : يا رسول الله نصدقك على الوحي ولا نصدقك على أربعمائة دراهم ، وفي خبر عن غيره ، فالتفت النبي صلى الله عليه وآله إليهما فقال : هذا حكم الله لا ما حكمتما به فينا .
(بحار الأنوار:ج40: 223)
الشاب المذبوح.
عن أبي جعفر ميثم التمار رضي الله عنه أنه قال : كنت بين يدي أميرالمؤمنين علي عليه السلام في جامع الكوفة في جماعة من أصحابه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو كأنه البدر بين الكواكب ، إذ دخل علينا من باب المسجد رجل طويل عليه قباء خز أدكن ، وقد اعتم بعمامة صفراء وهو متقلد بسيفين ، فدخل وبرك بغير سلام ، ولم ينطق بكلام ، فتطاولت إليه الاعناق ، ونظروا إليه بالآماق ، و قد وقف عليه الناس من جميع الآفاق ، ومولانا أميرالمؤمنين عليه السلام لا يرفع رأسه إليه ، فلما هدأت من الناس الحواس أفصح عن لسانه كأنه حسام جذب عن غمده : أيكم المجتبى في الشجاعة والمعمم بالبراعة ؟ أيكم المولود في الحرم والعالي في الشيم والموصوف بالكرم ؟ أيكم الاصلع الرأس والبطل الدعاس والمضيق للانفاس والآخذ بالقصاص ؟ أيكم غصن أبي طالب الرطيب و بطله المهيب والمسهم المصيب والقسم النجيب ؟ أيكم خليفة محمد صلى الله عليه وآله الذي نصره في زمانه واعتز به سلطانه وعظم به شأنه ؟ .
فعند ذلك رفع أميرالمؤمنين عليه السلام رأسه إليه فقال : مالك يا باسعد بن الفضل ابن الربيع بن مدركة بن نجيبة بن الصلت بن الحارث بن وعران بن الاشعث بن أبي السمع الرومي ؟ اسأل عما شئت ، أنا عيبة علم النبوة ، قال : قد بلغنا عنك أنك وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وخليفته على قومه بعده ، وأنك محل المشكلات ، وأنا رسول إليك من ستين ألف رجل يقال لهم العقيمة ، وقد حملوني ميتا قد مات من مدة ، و قد اختلفا في سبب موته وهو بباب المسجد ، فإن أحييته علمنا أنك صادق نجيب الاصل ، وتحققنا أنك حجة الله في أرضه وخليفة محمد صلى الله عليه وآله على قومه ، وإن لم تقدر على ذلك رددناه إلى قومه وعلمنا أنك تدعي غير الصواب وتظهر من نفسك ما لا تقدر عليه .
قال أميرالمؤمنين عليه السلام : يا ميثم اركب بعيرك وناد في شوارع الكوفة ومحالها : من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه الله عليا أخا رسول الله وزوج ابنته من العلم الرباني فليخرج إلى النجف ، فخرج الناس إلى النجف ، فقال الامام عليه السلام : يا ميثم هات الاعرابي وصاحبه ، فخرجت ورأيته راكبا تحت القبة التي فيها الميت ، فأتيت بهما إلى النجف ، فعند ذلك قال علي عليه السلام : قولوا فينا ما ترون منا وارووا عنا ما تشاهدونه منا ، ثم قال : يا أعرابي أبرك الجمل وأخرج صاحبك أنت وجماعة من المسلمين ، قال ميثم : فأخرجت تابوتا وفيه وطأ ديباج أخضر ، وفيها غلام أول ماتم عذاره على خده ، بذوائب كذوائب الامرأة الحسناء ، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : كم لميتكم ؟ قال : أحد وأربعون يوما ، قال : وما سبب موته ؟ فقال الاعرابي : يافتى إن أهله يريدون أن تحييه ليخبرهم من قتله ، لانه بات سالما وأصبح مذبوحا من اذنه إلى اذنه ، ويطالب بدمه خمسون رجلا يقصد بعضهم بعضا فاكشف الشك والريب يا أخا محمد ، قال الامام عليه السلام : قتله عمه ، لانه زوجه ابنته فخلاها وتزوج بغيرها ، فقلته حنقا عليه ، قال الاعرابي : لسنا نقنع بقولك فإنا نريد أن يشهد لنفسه عند أهله لترتفع الفتنة والسيف والقتال .
فعند ذلك قام الامام علي بن أبي طالب عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وآله فصلى عليه وقال : يا أهل الكوفة ما بقرة بني إسرائيل بأجل عند الله مني قدرا ، وأنا أخو رسول الله ، وإنها أحيت ميتا بعد سبعة أيام ، ثم دنا أميرالمؤمنين عليه السلام من الميت وقال : إن بقرة بني إسرائيل ضرب ببعضها الميت فعاش ، و أنا أضرب هذا الميت ببعضي لان بعضي خير من البقرة كلها ، ثم هزه برجله و قال له : قم بإذن الله يا مدرك بن حنظلة بن غسان بن بحير بن فهر بن سلامة بن الطيب بن الاشعث ، فهاقد أحياك الله تعالى على يد علي بن أبي طالب ، قال ميثم التمار : فنهض غلام أضوء من الشمس أضعافا ومن القمر أوصافا ، فقال : لبيك لبيك يا حجة الله على الانام المتفرد بالفضل والانعام ، فعند ذلك قال : يا غلام من قتلك ؟ قال : قتلني عمي الحارث بن غسان ، قال له الامام عليه السلام : انطلق إلى قومك فأخبرهم بذلك ، فقال : يا مولاي لا حاجة لي إليهم ، أخاف أن يقتلوني مرة اخرى ولا يكون عندي من يحييني ، قال : فالتفت الامام إلى صاحبه وقال له : امض إلى أهلك فأخبرهم ، قال : يا مولاي والله لا افارقك بل أكون معك حتى يأتي الله بأجلي من عنده ، فلعن الله من اتضح له الحق وجعل بينه وبين الحق سترا ، ولم يزل بين يدي أميرالمؤمنين حتى قتل بصفين ، ثم إن أهل الكوفة رجعوا إلى الكوفة واختلفوا أقوالا فيه عليه السلام .(بحار الأنوار:ج40: 274)
عاتق حامل!
عن عمار بن ياسر وزيد بن أرقم قالا : كنا بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام وكان يوم الاثين لسبع عشر خلت من صفر ، وإذا بزعقة عظيمة أملأت المسامع ، وكان على دكة القضاء ، فقال : يا عمار ائتني بذي الفقار ، و كان وزنه سبعة أمنان وثلثي منّ مكيّ ، فجئت به ، فانتضاه من غمده فتركه على فخذه ، وقال : يا عمار هذا يوم أكشف لاهل الكوفة الغمة ليزداد المؤمن وفاقا والمخالف نفاقا ، يا عمار ائت بمن على الباب ، قال عمار : فخرجت وإذا على الباب امرأة في قبة على جمل ، وهي تشتكي وتصيح : يا غياث المستغيثين ، ويا بغية الطالبين ، ويا كنز الراغبين ، ويا ذا القوة المتين ، ويا مطعم اليتيم ، ويا رازق العديم ، ويا محيي كل عظم رميم ، ويا قديم سبق قدمه كل قديم ، ويا عون من ليس له عون ولا معين ، يا طود من لا طود له ، يا كنز من لا كنز له ، إليك توجهت وبوليك توسلت وخليفة رسولك قصدت ، فبيض وجهي وفرج عني كربتي , قال عمار : وحولها ألف فارس بسيوف مسلولة ، قوم لها وقوم عليها ، فقلت : أجيبوا أمير المؤمنين أجيبوا عيبة علم النبوة ، قال : فنزلت المرأة من القبة ونزل القوم معها ودخلوا المسجد ، فوقفت المرأة بين يدي أميرالمؤمنين عليه السلام وقالت : يا مولاي يا إمام المتقين إليك أتيت وإياك قصدت ، فاكشف كربتي وما بي من غمة فإنك قادر على ذلك وعالم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، فعند ذلك قال : يا عمار ناد في الكوفة : من أراد أن ينظر إلى ما أعطاه الله أخا رسول الله فليأت المسجد قال : فاجتمع الناس حتى امتلأ المسجد ، فقام أميرالمؤمنين عليه السلام وقال : سلوني ما بدالكم يا أهل الشام ، فنهض من بينهم شيخ قد شاب ، عليه بردة يمانية ، فقال : السلام عليك يا أميرالمؤمنين ويا كنز الطالبين ، يا مولاي هذه الجارية ابنتي قد خطبها ملوك العرب ، وقد نكست رأسي بين عشيرتي ، وأنا موصوف بين العرب ، وقد فضحتني في أهلي ورجالي ، لانها عاتق حامل ، وأنا فليس بن عفريس ، لا تخمد لي نار ولا يضام لي جار ، وقد بقيت حائرا في أمري ، فاكشف لي هذه الغمة فإن الامام خبير بالامر ، فهذه غمة عظيمة لم أر مثلها ولا أعظم منها ,فقال أميرالمؤمنين عليه السلام : ما تقولين يا جارية فيما قال أبوك ؟ قالت : يامولاي أما قوله : إني عاتق ، صدق ، وأما قوله : إني حامل ، فوحقك يا مولاي ما علمت من نفسي خيانة قط ، وإني أعلم أنك أعلم بي مني ، وإني ما كذبت فيما قلت ففرج عني يا مولاي ، قال عمار : فعند ذلك أخذ الامام ذا الفقار وصعد المنبر فقال : الله أكبر الله أكبر ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) ثم قال عليه السلام عليّ بداية الكوفة ، فجاءت امرأة تسمى لبناء وهي قابلة نساء أهل الكوفة ، فقال لها : اضربي بينك وبين الناس حجابا وانظري هذه الجارية عاتق حامل أم لا ، ففعلت ما أمر به ثم خرجت وقالت : نعم يا مولاي هي عاتق حامل ، فعند ذلك التفت الامام إلى أبي الجارية وقال : يا أبا الغضب ألست من قرية كذا وكذا من أعمال دمشق ؟ قال : وما هذه القرية ؟ قال : هي قرية تسمى أسعار ، قال : بلى يا مولاي قال : ومن منكم يقدر على قطعة ثلج في هذه الساعة ؟ قال : يا مولاي الثلج في بلادنا كثير ولكن ما نقدر عليه ههنا ، فقال عليه السلام : بيننا وبينكم مائتان وخمسون فرسخا ؟ قال : نعم يا مولاي ، ثم قال : يا أيها الناس انظروا إلى ما أعطاه الله عليا من العلم النبوي والذي أودعه الله ورسوله من العلم الرباني ، قال عمار بن ياسر : فمد يده عليه السلام من أعلى منبر الكوفة وردها وإذا فيها قطعة من الثلج يقطر الماء منها فعند ذلك ضج الناس وماج الجامع بأهله ، فقال عليه السلام : اسكتوا فلو شئت أتيت بجبالها ، ثم قال : يا داية خذي هذه القطعة من الثلج واخرجي بالجارية من المسجد واتركي تحتها طشتا ، وضعي هذه القطعة مما يلي الفرج ، فسترى علقة وزنها سبع مائة وخمسون درهما ودانقان ، فقالت : سمعا وطاعة لله ولك يا مولاي ، ثم أخذتها وخرجت بها من الجامع فجاءت بطشت فوضعت الثلج على الموضع كما أمرها عليه السلام فرمت علقة وزنتها الداية فوجدتها كما قال عليه السلام ، فأقبلت الداية والجارية فوضعت العلقة بين يديه ، ثم قال : يا أبا الغضب خذ ابنتك فو الله مازنت وإنما دخلت الموضع الذي فيه الماء فدخلت هذه العلقة في جوفها وهي بنت عشر سنين ، وكبرت إلى الآن في بطنها ، فنهض أبوها وهو يقول : أشهد أنك تعلم ما في الارحام وما في الضمائر وأنت باب الدين وعموده .
(بحار الأنوار:ج277:40 )
بيان : جارية عاتق أي شابة أول ما أدركت فخدرت في بيت أهلها ولم تبن إلى زوج.