السيد مرتضى الموسوي الروحاني رقم الجوال009647806835991
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

السيد مرتضى الموسوي الروحاني رقم الجوال009647806835991

السيد الرضوي الموسوي الروحاني للعلاج الروحاني العالم الروحاني للكشف الروحاني هاتف 07806835991
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السيد المقدس مرتضى الموسوي الروحاني المعالج الروحاني لجلب الحبيب من العراق الاتصال07806835991 ومن خارج العراق 009647806835991
السيدمرتضى الموسوي الروحاني المعالج بالقران وسنة رسوله الكريم العالم الروحاني الذي تميز عن غيره بالصدق والمنطق والعمل الصحيح المعالج الروحاني على مستوى العالم العربي والغربي العالم بالعلوم الفوق الطبيعه السيد الاجل الذي دل صدقه وكلامه على العالم بفضل الله ومنه ورحمته علينا وعليه المعالج الباب الاول لكل ما يطلب منه تجده بأذن الله ومشئيته سبحانه بين يديك ببركة الاولياء والانبياء واسرارهم
العالم الروحاني السيد الرضوي الموسوي للكشف الروحاني عن كل ما يطلب منه بأذن الله ولعلاج الحالات المرضيه الروحيه والنفسيه وفك السحر وابطاله وفتح النصيب واعمال المحبة كله من كتاب الله الكريم واسراررب العالمين تجده في الموقع الرضوي العالم الروحاني للكشف وللعلاج ولاي مقصد اتصل على الرقم اذا كنت من خارج العراق009647806835991 أومن داخل العراق07806835991 او راسلنا على الاميل الالكتروني morthadh86@yahoo.com العالم الروحاني الذي شاع صيته في البلدان بصدقه ونورعمله وعلوا مرتبته العالم الروحاني السيد الرضوي الموسوي العالم الروحاني المتواضع في العمل وتزكيته معكم الموقع الشخصي للعالم الروحاني السيد الرضوي الموسوي والله يشهد انه لمن الصادقين https://morth.forumarabia.com

 

 الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبد الله السائر الى الله
المديرالعام للمنتدى



عدد المساهمات : 1869
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل Empty
مُساهمةموضوع: الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل   الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل Icon_minitimeالجمعة أغسطس 03, 2012 8:09 pm

الخوف من اللّه تعالى

وهو: تألم النفس خشية من عقاب اللّه، من جراء عصيانه ومخالفته. وهو من خصائص الأولياء، وسمات المتقين، والباعث المحفّز على الاستقامة والصلاح، والوازع القويّ عن الشرور والآثام.

لذلك أولته الشريعة عناية فائقة، وأثنت على ذويه ثناءاً عاطراً مشرفاً:

قال تعالى: «إنما يخشى اللّه من عباده العلماء» (فاطر: 28).

وقال : «إن الذين يخشون ربهم بالغيب، لهم مغفرة وأجر كبير» (الملك: 12).

وقال: «وأما من خاف مقام ربّه، ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى» (النازعات: 40 - 41).

وقال الصادق عليه السلام: «خَفِ اللّه كأنك تراه، وإن كنت لا تراه فإنه يراك، وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم إنه يراك ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين إليك»(1).

وقال عليه السلام: «المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما صنع اللّه فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك،

_____________________

(1) الوافي ج 3 ص 57 عن الكافي.

{ 177 }

فهو لا يصبح إلا خائفاً، ولا يصلحه إلا الخوف»(1).

وقال عليه السلام: «لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو»(2).

وفي مناهي النبي صلى اللّه عليه وآله:

«من عرضت له فاحشة، أو شهوة فاجتنبها من مخافة اللّه عز وجل، حرّم اللّه عليه النار، وآمنه من الفزع الأكبر، وأنجز له ما وعده في كتابه، في قوله عز وجل: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) (الرحمن:46)» (3).

وقال بعض الحكماء: مسكين ابن آدم، لو خاف من النار كما يخاف من الفقر لنجا منهما جميعاً، ولو رغب في الجنة كما رغب في الدنيا لفاز بهما جميعاً، ولو خاف اللّه في الباطن كما يخاف خلقه في الظاهر لسعد في الدارين جميعاً.

ودخل حكيم على المهدي العباسي فقال له: عظني. فقال: أليس هذا المجلس قد جلس فيه أبوك وعمك قبلك؟ قال: نعم. قال: فكانت لهم أعمال ترجو لهم النجاة بها؟ قال: نعم. قال: فكانت لهم أعمال تخاف عليهم الهلكة منها؟ قال: نعم. قال: فانظر ما رجوت لهم فيه فآته، وما خفت عليهم منه فاجتنبه.

_____________________

(1)، (2) الوافي ج 3 ص 57 عن الكافي.

(3) البحار م 15 ج 2 ص 113 عن الفقيه .

{ 178 }

الخوف بين المدّ والجزر:

لقد صورت الآيات الكريمة، والأخبار الشريفة، أهمية الخوف، وأثره في تقويم الانسان وتوجيهه وجهة الخير والصلاح، وتأهيله لشرف رضا اللّه تعالى وانعامه.

بيد أن الخوف كسائر السجايا الكريمة، لا تستحق الاكبار والثناء، الا إذا اتسمت بالقصد والاعتدال، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.

فالافراط في الخوف يجدب النفس، ويدعها يباباً من نضارة الرجاء، ورونقه البهيج، ويدع الخائف آيساً آبقاً موغلاً في الغواية والضلال، ومرهقاً نفسه في الطاعة والعبادة حتى يشقيها وينهكها.

والتفريط فيه باعث على الاهمال والتقصير، والتمرد على طاعة اللّه تعالى واتباع دستوره.

وبتعادل الخوف والرجاء تنتعش النفس، ويسمو الضمير، وتتفجر الطاقات الروحية، للعمل الهادف البنّاء.

كما قال الصادق عليه السلام: «أرج اللّه رجاءاً لا يجرئك على معاصيه، وخف اللّه خوفاً لا يؤيسك من رحمته»(1).

محاسن الخوف:

قيم السجايا الكريمة بقدر ما تحقق في ذويها من مفاهيم الانسانية الفاضلة،

_____________________

(1) البحار م 15 ج 2 ص 118 عن أمالي الصدوق.

{ 179 }

وقيم الخير والصلاح، وتؤهلهم للسعادة والرخاء. وبهذا التقييم يحتل الخوف مركز الصدارة بين السجايا الأخلاقية الكريمة، وكانت له أهمية كبرى في عالم العقيدة والإيمان، فهو الذي يلهب النفوس، ويحفّزها على طاعة اللّه عز وجل، ويفطمها من عصيانه، ومن ثم يسمو بها الى منازل المتقين الأبرار.

وكلما تجاوبت مشاعر الخشية والخوف في النفس، صقلتها وسَمَت بها الى أوج ملائكي رفيع، يحيل الانسان ملاكاً في طيبته ومثاليته، كما صوره أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقارن بين الملك والانسان والحيوان، فقال: «إن اللّه عز وجل ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كليهما.

فمن غلب عقلهُ شهوتهَ، فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته علقه فهو شر من البهائم»(1).

من أجل ذلك نجد الخائف من اللّه تعالى يستسهل عناء طاعته، ويستحلي مرارتها، ويستوخم حلاوة المعاصي والآثام، خشية من سطخه وخوفاً من عقابه.

وبهذا يسعد الانسان، وتزدهر حياته المادية والروحية، كما انتظم الكون، واتسقت عناصره السماوية والأرضية، بخضوعه للّه عز وجل، وسيره على وفق نظمه وقوانينه.

«من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فلنحيينه حياة طيبة،

_____________________

(1) علل الشرائع. { 180 }

ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» (النحل:97).

وما هذه المآسي والأرزاء التي تعيشها البشرية اليوم من شيوع الفوضى وانتشار الجزائم، واستبداد الحيرة والقلق، والخوف بالناس إلا لاعراضهم عن اللّه تعالى، وتنكبهم عن دستوره وشريعته.

«ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون» (الأعراف: 96).

كيف نستشعر الخوف:

يجدر بمن ضعف فيه شعور الخوف إتباع النصائح التالية:

1 - تركيز العقيدة، وتقوية الايمان باللّه تعالى، ومفاهيم المعاد والثواب والعقاب، والجنة والنار، إذ الخوف من ثمرات الايمان وإنعكاساته على النفس «إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر اللّه وجلت قلوبهم، وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، وعلى ربهم يتوكلون» (الأنفال:2).

2 - استماع المواعظ البليغة، والحِكَم الناجعة، الموجبة للخوف والرهبة.

3 - دراسة حالات الخائفين وضراعتهم وتبتلهم إلى اللّه عز وجل، خوفاً من سطوته، وخشية من عقابه.

واليك أروع صورة للضراعة والخوف مناجاة الامام زين العابدين عليه السلام في بعض أدعيته:

{ 181 }

«ومالي لا أبكي!! ولا أدري الى ما يكون مصيري، وأرى نفسي تخادعني، وأيامي تخاتلني، وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت، فمالي لا ابكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إيّايَ، أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري، أنظر مرة عن يميني، وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة، ووجوه يومئذ عليها غبرة، ترهقها قترة) (عبس: 37 - 41)».

ظرف من قصص الخائفين:

عن الباقر عليه السلام قال: «خرجت إمرأة بغيّ على شباب من بني إسرائيل فأفتنتهم، فقال بعضهم: لو كان العابد فلان رآها أفتنته!، وسمعت مقالتهم، فقالت : واللّه لا أنصرف الى منزلي، حتى أفتنه. فمضت نحوه بالليل فدقت عليه، فقالت: آوي عندك؟ فأبى عليها فقالت: إن بعض شباب بني اسرائيل راودوني عن نفسي، فإن أدخلتني والا لحقوني، وفضحوني، فلما سمع مقالتها فتح لها، فلمّا دخلت عليه رمت بثيابها، فلما رأى جمالها وهيئتها وقعت في نفسه، فضرب يده عليها، ثم رجعت اليه نفسه، وقد كان يوقد تحت قدر له، فأقبل حتى وضع يده على النار فقالت: أي شيء تصنع؟ فقال: أحرقها لأنها عملت العمل، فخرجت

{ 182 }

حتى أتت جماعة بني إسرائيل فقالت: الحقوا فلاناً فقد وضع يده على النار، فأقبلوا فلحقوه وقد احترقت يده»(1).

وعن الصادق عليه السلام: «إن عابداً كان في بني اسرائيل، فأضافته إمرأة من بني إسرائيل، فهمَّ بها، فأقبل كلما همّ بها قرّب إصبعاً من أصابعه الى النار، فلم يزل ذلك دأبه حتى أصبح، قال لها: أخرجي لبئس الضيف كنت لي»(2).

_____________________

(1)، (2) عن البحار م 5 عن قصص الأنبياء للقطب الراوندي.



الرجاء من اللّه تعالى

وهو: انتظار محبوب تمهّدت أسباب حصوله، كمن زرع بذراً في أرض طيّبه، ورعاه بالسقي والمداراة، فرجا منه النتاح والنفع.

فإن لم تتمهد الأسباب، كان الرجاء حمقاً وغروراً، كمن زرع أرضاً سبخة وأهمل رعايتها، وهو يرجو نتاجها.

والرجاء: هو الجناح الثاني من الخوف، اللذان يطير بهما المؤمن الى آفاق طاعة اللّه، والفوز بشرف رضاه، وكرم نعمائه، إذ هو باعث على الطاعة رغبةً كما يبعث الخوف عليها رهبة وفزعاً.

ولئن تساند الخوف والرجاء، على تهذيب المومن، وتوجيهه وجهة الخير والصلاح، بيد أن الرجاء أعذب مورداً، وأحلى مذاقاً من الخوف، لصدوره عن الثقة باللّه، والاطمئنان بسعة رحمته، وكرم عفوه، وجزيل ألطافه.

وبديهي ان المطيع رغبة ورجاءاً، أفضل منه رهبة وخوفاً، لذلك كانت تباشير الرجاء وافرة، وبواعثه جمّة وآياته مشرقة، واليك طرفاً منها:

1 - النهي عن اليأس والقنوط.

قال تعالى: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من

{ 184 }

رحمة اللّه، إن اللّه يغفر الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم» (الزمر: 53).

وقال تعالى: «ولا تيأسوا من روح اللّه إنّه لا ييأس من روح اللّه، الا القوم الكافرون» (يوسف: 87).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل أخرجه الخوف الى القنوط لكثرة ذنوبه: «أيا هذا، يأسك من رحمة اللّه أعظم من ذنوبك»(1).

وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «يبعث اللّه المقنّطين يوم القيامة، مغلبّةً وجوهُهُم، يعني غلبة السواد على البياض، فيقال لهم : هؤلاء المقنّطون من رحمة اللّه تعالى»(1).

2 - سعة رحمة اللّه وعظيم عفوه:

قال تعالى: «فقل ربّكم ذو رحمة واسعة» (الأنعام: 147).

وقال تعالى: «وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم» (الرعد: 6).

وقال تعالى: «إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» (النساء: 48).

وقال تعالى: «وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم» (الزمر: 53).

وجاء في حديث عن النبي صلى اللّه عليه وآله: «لولا أنكّم تذنبون فتستغفرون اللّه تعالى، لأتى اللّه تعالى بخلق يذنبون ويستغفرون، فيغفر لهم،

_____________________

(1) جامع السعادات ج 1 ص 246.

(2) سفينة البحار ج 2 ص 451 عن نوادر الراوندي.

{ 185 }

إنّ المؤمن مفتن توّاب، أما سمعت قول اللّه تعالى: (إن اللّه يحب التوابين) (البقرة: 222) الخبر» (1).

توضيح: المفتن التواب: هو من يقترف الذنوب ويسارع الى التوبة منها.

وقال الصادق عليه السلام: «إذا كان يوم القيامة، نشر اللّه تبارك وتعالى رحمته حتى يطمع إبليس في رحمته»(2).

وعن سليمان بن خالد قال: «قرأت على أبي عبد اللّه عليه السلام هذه الآية: «إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً، فأولئك يبدّل اللّه سيئاتهم حسنات» (الفرقان: 70).

فقال: هذه فيكم، إنه يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة، حتى يوقف بين يدي اللّه عز وجل، فيكون هو الذي يلي حسابه، فيوقفه على سيئاته شيئاً فشيئاً، فيقول: عملت كذا في يوم كذا في ساعة كذا، فيقول أعرف يا ربي، حتى يوقفه على سيئاته كلّها، كل ذلك يقول: أعرف. فيقول سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، أبدلوها لعبدي حسنات.

قال: فتُرفع صحيفته للناس فيقولون: سبحان اللّه! أما كانت لهذا العبد سيئة واحدة، وهو قول اللّه عز وجل «أولئك يبدّل اللّه سيئاتهم حسنات» (الفرقان: 70) (3).

3 - حسن الظن باللّه الكريم، وهو أقوى دواعي الرجاء.

_____________________

(1) الوافي ج 3 ص 51 عن الكافي.

(2) البحار مجلد 3 ص 274 عن أمالي الشيخ الصدوق.

(3) البحار مجلد 3 ص 274 عن محاسن البرقي.

{ 186 }

قال الرضا عليه السلام: «أحسِن الظن باللّه، فإن اللّه تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً»(1).

وقال الصادق عليه السلام: «آخر عبد يؤمر به الى النار، يلتفت، فيقول اللّه عز وجل: اعجلوه(2)، فاذا أتي به قال له: يا عبدي لِمَ التفت؟ فيقول: يا رب ما كان ظني بك هذا، فيقول اللّه عز وجل: عبدي وما كان ظنك بي؟ فيقول: يا رب كان ظني بك أن تغفر لي خطيئتي وتسكنني جنتك. فيقول اللّه: ملائكتي وعزتي وجلالي وآلائي وبلائي وارتفاع مكاني ما ظن بي هذا ساعة من حياته خيراً قط، ولو ظن بي ساعة من حياته خيراً ما روعته بالنار، أجيزوا له كذبه وأدخلوه الجنة.

ثم قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما ظن عبد باللّه خيراً، الا كان اللّه عند ظنه به، ولا ظن به سوءاً إلا كان اللّه عند ظنه به، وذلك قوله عز وجل: «وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين» (فصلت: 23)(3).

4 - شفاعة النبي والأئمة الطاهرين عليهم السلام لشيعتهم ومحبيهم:

عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «إذا كان يوم القيامة ولّيُنا حساب شيعتنا، فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين اللّه عز وجل، حكمنا فيها فأجابنا، ومن كانت

_____________________

(1) الوافي ج 3 ص 59 عن الكافي.

(2) أعجلوه: أي ردّوه مستعجلاً.

(3) البحار م 3 ص 274 عن ثواب الأعمال للصدوق.

{ 187 }

مظلمته فيما بينه وبين الناس استوهبناها فوهبت لنا، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنّا أحق من عفى وصفح»(1).

وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير بالاسناد الى جرير بن عبد اللّه البجلي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «ألا ومن مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الايمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزفّ الى الجنة كما تزف العروس الى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان الى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة.

ألا ومن مات على بغض آل محمد، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة اللّه....».

وقد أرسله الزمخشري في تفسير آية المودة من كشافه إرسال المسلمات، رواه المؤلفون في المناقب والفضائل مرسلاً مرة ومسنداً تارات(2).

وأورد ابن حجر في صواعقه ص 103 حديثاً هذا لفظه:

«إن النبي صلى اللّه عليه وآله خرج على أصحابه ذات يوم،

_____________________

(1) البحار م 3 ص 301 عن عيون اخبار الرضا عليه السلام.

(2) الفصول المهمة للمرحوم آية اللّه السيد عبد الحسين شرف الدين.

{ 188 }

ووجهه مشرق كدائرة القمر، فسأله عبد الرحمن بن عوف عن ذلك، فقال صلى اللّه عليه وآله: بشارة أتتني من ربي في أخي وابن عمي وابنتي، بأن اللّه زوج علياً من فاطمة، وأمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى، فحملت رقاقاً (يعني صكاكاً) بعدد محبي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكة من نور، دفع الى كل ملك صكاً، فإذا استوت القيامة بأهلها، نادت الملائكة في الخلائق، فلا يبقى محب لأهل البيت، الا دفعت اليه صكاً فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من امتي من النار»(1).

وجاء في الصواعق ص 96 لابن حجر: «أنه قال: لما أنزل اللّه تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات اُولئك هم خير البرية، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، رضي اللّه عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه) (البينة: 7 - Cool قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعلي: هم أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضابى مقمحين»(2).

5 - النوائب والأمراض كفارة لآثام المؤمن:

قال الصادق عليه السلام: «يا مفضل إياك والذنوب، وحذّرها شيعتنا، فواللّه ما هي إلى أحد أسرع منها اليكم، إن أحدكم لتصيبه المعرّة من السلطان، وما ذاك الا بذنوبه، وإنه ليصيبه السقم، وما ذاك الا

_____________________

(1) الفصول المهمة للامام شرف الدين ص 44.

(2) الفصول المهمة للامام شرف الدين ص 39.

{ 189 }

بذنوبه، وإنه ليحبس عنه الرزق وما هو الا بذنوبه، وإنه ليشدد عليه عند الموت، وما هو الا بذنوبه، حتى يقول من حضر: لقد غمّ بالموت. فلما رأى ما قد دخلني، قال: أتدري لِمَ ذاك يا مفضل؟ قال: قلت لا أدري جعلت فداك. قال: ذاك واللّه أنكم لا تؤاخدون بها في الآخرة وعُجلت لكم في الدنيا»(1).

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «قال اللّه تعالى: وعزتي وجلالي لا أخرج عبداً من الدنيا وأنا أريد أن أرحمه، حتى أستوفي منه كل خطيئة عملها، إما بسقم في جسده، وإما بضيق في رزقه، وإما بخوف في دنياه، فإن بقيت عليه بقية، شدّدت عليه عند الموت...»(2).

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : «ما يزال الغم والهم بالمؤمن حتى ما يدع له ذنباً»(3).

وقال الصادق عليه السلام: «إن المؤمن ليهوّل عليه في نومه فيغفر له ذنوبه، وإنه ليُمتَهَنُ في بدنه فيغفر له ذنوبه»(4).

واقع الرجاء:

ومما يجدر ذكره: أن الرجاء كما أسلفنا لا يجدي ولا يثمر، الا

_____________________

(1) البحار م 3 ص 35 عن علل الشرائع للصدوق (ره).

(2)، (3)، (4) الوافي ج 3 ص 172 عن الكافي.

{ 190 }

بعد توفر الأسباب الباعثة على نجحه، وتحقيق أهدافه، والا كان هوساً وغروراً.

فمن الحمق أن يتنكّب المرء مناهج الطاعة، ويتعسف طرق الغواية والضلال، ثم يُمنّي نفسه بالرجاء، فذلك غرور باطل وخُداع مغرّر.

ألا ترى عظماء الخلق وصفوتهم من الأنبياء والأوصياء والأولياء كيف تفانوا في طاعة اللّه عز وجل، وانهمكوا في عبادته، وهم أقرب الناس الى كرم اللّه وأرجاهم لرحمته.

إذاً فلا قيمة للرجاء، الا بعد توفر وسائل الطاعة، والعمل للّه تعالى، كما قال الامام الصادق عليه السلام: «لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو»(1).

وقيل له عليه السلام: إن قوماً من مواليك يَلمّون بالمعاصي، ويقولون نرجو. فقال «كذبوا ليسوا لنا بموال، أولئك قوم ترجّحت بهم الأماني، من رجا شيئاً عمل له، ومن خاف شيئاً هرب منه»(2).

الحكمة في الترجّي والتخويف:

يختلف الناس في طباعهم وسلوكهم اختلافاً كبيراً، فمن الحكمة في إرشادهم وتوجيههم، رعاية ما هو الأجدر بإصلاحهم من الترجّي والتخويف

_____________________

(1) الوافي ج 3 ص 58 عن الكافي.

(2) الوافي ج 3 ص 57 عن الكافي.

{ 191}

فمنهم من يصلحه الرجاء، وهم:

1 - العصاة النادمون على ما فرّطوا في الآثام، فحاولوا التوبة الى اللّه، بيد أنهم قنطوا من عفو اللّه وغفرانه، لفداحة جرائمهم، وكثرة سيئاتهم، فيعالج والحالة هذه قنوطهم بالرجاء بعظيم لطف اللّه، وسعة رحمته وغفرانه.

2 - وهكذا يُداوى بالرجاء من انهك نفسه بالعبادة وأضرّ بها.

أما الذين يصلحهم الخوف:

فهم المردة العصاة، المنغمسون في الآثام، والمغترّون بالرجاء، فعلاجهم بالتخويف والزجر العنيف، بما يتهددهم من العقاب الأليم، والعذاب المُهين.

وما أحلى قول الشاعر:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها*** إن السفينة لا تجري على اليبس



الغرور

وهو: انخداع الانسان بخدعة شيطانية ورأي خاطئ، كمن ينفق المال المغصوب في وجوه البر والاحسان، معتقداً بنفسه الصلاح، ومؤمّلاً للاجر والثواب، وهو مغرور مخدوع بذلك.

وهكذا ينخدع الكثيرون بالغرور، وتلتبس به أعمالهم، فيعتقدون صحتها ونُجحها، ولو محصوها قليلاً، لأدركوا ما تتسم به من غرور وبطلان.

لذلك كان الغرور من أخطر أشراك الشيطان، وأمضى أسلحته، وأخوف مكائده.

وللغرور صور وألوان مختلفة باختلاف نزعات المغرورين وبواعث غرورهم، فمنهم المغتر بزخارف الدنيا ومباهجها الفاتنة، ومنهم المغتر بالعلم أو الزعامة، أو المال، أو العبادة ، ونحو ذلك من صور الغرور وألوانه.

وسأعرض في البحث التالي أهم صور الغرور وأبرز أنواعه، معقباً على كل نوع منها بنصائح علاجية، تجلو غبش الغرور وتخفف من حدته.

{ 193 }

الغرور

(أ) الاغترار بالدنيا

وأكثر من يتصف بهذا الغرور هم: ضعفاء الايمان، والمخدوعون بمباهج الدنيا ومفاتنها، فيتناسون فناءها وزوالها، وما يعقبها من حياة أبدية خالدة، فيتذرعون إلى تبرير اغترارهم بالدنيا، وتهالكهم عليها، بزعمين فاسدين، وقياسين باطلين:

الأول: أن الدنيا نقد، والاخرة نسيئة، والنقد خير من النسيئة.

الثاني: أن لذائذ الأولى ومتعها يقينية، ولذائذ الثانية - عندهم - مشكوكة، والمتيقن خير من المشكوك.

وقد أخطأوا وضلوا ضلالا مبيناً، إذ فاتهم في زعمهم الأول أن النقد خير من النسيئة إن تعادلا في ميزان النفع، وإلا فان رجحت النسيئة كانت أفضل وأنفع من النقد، كمن يتاجر بمبلغ عاجل من المال، ليربح أضعافه في الآجل، أو يحتمي عن شهوات ولذائذ عاجلة توخياً للصحة في الآجل المديد.

هذا الى الفارق الكبير، والبون الشاسع، بين لذائذ الدنيا والآخرة، فلذائذ الأولى فانية، منغصة بالأكدار والهموم، والثانية خالدة هانئة.

وهكذا أخطأوا بزعمهم الثاني في شكهم وارتيابهم في الحياة الأخروية.

{ 194 }

فقد أثبتها الأنبياء والأوصياء عليهم السلام والعلماء، وكثير من الامم البدائية الأولى، وأيقنوا بها يقيناً لا يخالجه الشك، فارتياب المغرورين بالآخرة والحالة هذه، هَوَس يستنكره الدين والعقل.

ألا ترى كيف يؤمن المريض بنجع الدواء الذي أجمع عليه الأطباء، وإن كذّبهم فصبيّ غِر أو مُغفّل بليد.

وبعد أن عرفت فساد ذينك الزعمين وبطلانهما، فاعلم أنه لم يصور واقع الدنيا، ويعرض خدعها وأمانيها المُغرِّرة كما صورها القرآن الكريم، وعرّفها أهل البيت عليهم السلام، فاذا هي برق خلّب وسراب خادع.

أنظر كيف يصور القرآن واقع الدنيا وغرورها، فيقول تعالى:

«إنما الحياة الدنيا لَعِب ولهو وزينة وتفاخر بينكم، وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفّار نباته، ثم يهيج فتراه مصفرّاً، ثم يكون حُطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد»

(الحديد:20)

وقال تعالى: «إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء، فاختلط به نبات الأرض، مما يأكل الناس والأنعام، حتى إذا أخذت الأرض زخرفها، وازينت ، وظن أهلها أنهم قادرون عليها، أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً، فجعلناها حصيداً، كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكرون» (يونس: 24)

وقال عز وجل: «فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فانّ الجحيم هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فانّ الجنة هي المأوى» (النازعات: 37 - 41)

وقال الصادق عليه السلام: «ماذئبان ضاريان في غنم قد فارقها

{ 195 }

رعاؤها، أحدهما في أولها، والآخر في آخرها، بأفسد فيها، من حُب الدنيا والشرق في دين المسلم»(1).

وقال الباقر عليه السلام: «مَثَلُ الحريص على الدنيا، مثل دودة القز كلّما ازدادت من القز على نفسها لفّاً، كان أبعد لها من الخروج، حتى تموت غمّاً»(2).

وقال الصادق عليه السلام: «من أصبح وأمسى، والدنيا أكبر همّه، جعل اللّه تعالى الفقر بين عينيه، وشتت أمره، ولم ينل من الدنيا الا ما قُسِم له، ومن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه، جعل اللّه تعالى الغُنى في قلبه، وجمع له أمره»(3).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إنما الدنيا فناء وعَناء وغِيَر وعِبَر: فمن فنائها: أنك ترى الدهر موتِراً قوسه، مفوقاً نبله، لا تُخطئ سهامه، ولا يشفى جراحه، يرمي الصحيح بالسقم، والحي بالموت.

ومن عنائها: أن المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى اللّه لا مالاً حمل ولا بناءاً نقل.

ومن غِيَرِها أنك ترى المغبوط مرحوماً، والمرحوم مغبوطاً، ليس بينهم الا نعيم زلّ، وبؤس نزل.

ومن عِبَرها: ان المرء يشرف على أمله، فيتخطفه أجله، فلا أمَل مدروك، ولا مؤمّل متروك»(4).

_____________________

(1)، (2) الوافي ج 3 ص 152 عن الكافي.

(3) الوافي ج 3 ص 154 عن الكافي.

(4) سفينة البحار ج 1 ص 467.

{ 196 }

وقال الامام موسى بن جعفر عليهما السلام: «يا هشام، إن العقلاء زهدوا في الدنيا، ورغبوا في الآخرة، لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة، والآخرة طالبة ومطلوبة: فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا، حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة، فيأتيه الموت، فيفسد عليه دنياه وآخرته»(1).

القانون الخالد:

تواطأ الناس بأسرهم، على ذم الدنيا وشكايتها، لمعاناة آلامها، ففرحها مكدّر بالحزن، وراحتها منغصة بالعناء، لاتصفو لأحد، ولا يهنأ بها انسان. وبالرغم من تواطئهم على ذلك تباينوا في سلوكهم وموقفهم من الحياة:

فمنهم من تعشقها، وهام بحبها، وتكالب على حُطامها، ما صيرهم في حالة مزرية، من التنافس والتناحر.

ومنهم من زهد فيها، وانزوى هارباً من مباهجها ومُتعها الى الأديرة والصوامع، ما جعلهم فلولاً مبعثرة على هامش الحياة.

وجاء الاسلام، والناس بين هذين الاتجاهين المتعاكسين، فاستطاع بحكمته البالغة، واصلاحه الشامل، أن يشرّع نظاماً خالداً، يؤلّف بين الدين والدنيا، ويجمع بين مآرب الحياة وأشواق الروح، بأسلوب يلائم

_____________________

(1) تحف العقول في وصيته لهشام بن الحكم.

{ 197 }

فطرة الانسان، ويضمن له السعادة والرخاء.

فتراه تارة يحذّر عشّاق الحياة من خُدعها وغرورها، ليحررهم من أسرها واسترقاقها، كما صورته الآثار السالفة.

وأخرى يستدرج المتزمتين الهاربين من زخارف الحياة الى لذائذها البريئة وأشواقها المرفرفة، لئلا ينقطعوا عن ركب الحياة، ويصبحوا عرضة للفاقة والهوان.

قال الصادق عليه السلام: «ليس منّا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه»(1).

وقال العالم عليه السلام: «إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً»(2).

وبهذا النظام الفذ ازدهرت حضارة الاسلام، وتوغل المسلمون في مدارج الكمال، ومعارج الرقيّ الماديّ والروحي.

وعلى ضوء هذا القانون الخالد نستجلي الحقائق التالية:

1 - التمتع بملاذ الحياة، وطيباتها المحللة، مستحسن لا ضير فيه، ما لم يكن مشتملاً على حرام أو تبذير، كما قال سبحانه: «قل من حرّم زينة اللّه التي أخرج لعباده، والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة» (الأعراف: 32).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إعلموا عباد اللّه أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم

_____________________

(1)، (2) الوافي ج 10 ص 9 عن الفقيه.

{ 198 }

أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظى به المترفون، وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المُبلّغ والمتجر الرابح»(1).

2 - إن التوفر على مقتنيات الحياة ونفائسها ورغائبها، هو كالأول مستحسن محمود، إلا ما كان مختلساً من حرام، أو صارفاً عن ذكر اللّه تعالى وطاعته.

أما اكتسابها إستعفافاً عن الناس، أو تذرعاً بها الى مرضاة اللّه عز وجل كصلة الأرحام، وإعانة البؤساء، وإنشاء المشاريع الخيرية كالمساجد والمدارس والمستشفيات، فإنه من أفضل الطاعات وأعظم القربات، كما صرح بذلك أهل البيت عليهم السلام:

قال الصادق عليه السلام: «لا خير فيمن لا يجمع المال من حلال، يكفّ به وجهه، ويقضي به دينه، ويصل به رحمه» (2).

وقال رجل لأبي عبد اللّه عليه السلام: «واللّه إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نُؤتاها.

فقال: تحب أن تصنع بها ماذا؟ قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأصِلُ بها، وأتصدق بها، وأحج، وأعتمر. فقال أبو عبد اللّه: ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة»(3).

_____________________

(1) نهج البلاغة.

(2) الوافي ج 10 ص 9 عن الكافي.

(3) الوافي ج 10 ص 9 عن الكافي.

{ 199 }

3 - إن حب البقاء في الدنيا ليس مذموماً مطلقاً، وإنما يختلف بالغايات والأهداف، فمن أحبّه لغاية سامية، كالتزود من الطاعة، واستكثار الحسنات، فهو مستحسن. ومن أحبّه لغاية دنيئة، كممارسة الآثام، واقتراف الشهوات، فذلك ذميم مقيت، كما قال زين العابدين عليه السلام: «عَمّرني ما كان عمري بِذلة في طاعتك، فاذا كان عمري مرتعاً للشيطان فاقبضني إليك».

ونستخلص مما أسلفناه أنّ الدنيا المذمومة هي التي تخدع الانسان، وتصرفه عن طاعة اللّه والتأهب للحياة الأخروية.

ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا ***وأقبح الكفر والافلاس في الرجل

مساوئ الاغترار بالدنيا:

1 - من أبرز مساوئ الغرور أنّه يلقي حجاباً حاجزاً بين العقل وواقع الانسان، فلا يتبيّن آنذاك نقائصه ومساويه، منجشع، وحرص، وتكالب على الحياة، مما يسبب نقصه وذمّه.

2 - إن الغرور يُشقي أربابه، ويدفعهم الى معاناة الحياة، ومصارعتها، دون اقتناع بالكفاف، أو نظر لزوالها المحتوم، مما يُظنيهم ويُشقيهم، كما صوره الخبر الآنف الذكر: «مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القز، كلما ازدادت على نفسها لفّاً، كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غماً».

3 - والغرور بعد هذا وذاك، من أقوى الصوارف والملهيات عن

{ 200 }

التأهب للآخرة والتزود من الأعمال الصالحة، الموجبة للسعادة الأخروية، ونعيمها الخالد.

وقال تعالى: «فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى، وأمّا مَن خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فإنّ الجنة هي المأوى» (النازعات: 37 - 41).

علاج هذا الغرور:

وهو كما يلي مجملاً:

1 - استعراض الآيات والنصوص الواردة في ذم الغرور بالدنيا وأخطاره الرهيبة.

2 - إجماع الأنبياء والاوصياء والحكماء على فناء الدنيا، وخلود الآخرة، فجدير بالعاقل أن يؤثر الخالد على الفاني، ويتأهب للسعادة الأبدية والنعيم الدائم، «بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى، إن هذا لفي الصحف الاولى، صحف ابراهيم وموسى» (الأعلى: 16 - 19).

3 - الافادة من المواعظ البليغة، والحكم الموجهة، والقصص الهادفة المعبرة عن ندم الطغاة والجبارين، على اغترارهم في الدنيا، وصرف أعمارهم باللهو والفسوق.

ومن أبلغ العظات وأقواها أثراً في النفس كلمة أمير المؤمنين لابنه الحسن عليه السلام: «أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوّه باليقين،

{ 201 }

ونوّره بالحكمة، وذلّله بذكر الموت، وقرره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا، وحَذّره صولة الدهر، وفحش تقلب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسِر في ديارهم وآثارهم، فانظر فيما فعلوا، وعمّا انتقلوا، وأين حلّوا ونزلوا، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة، وحلّوا ديار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم، فأصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك»(1).

ومن روائع الحكم التشبيه التالي:

«فقد شبّه الحكماء الانسان وإنهماكه في الدنيا، واغتراره بها، وغفلته عمّا وراءها، كشخص مُدلىً في بئر، ووسطه مشدود بحبل، وفي أسفل ذلك البئر ثعبان عظيم، متوجه اليه، منتظر لسقوطه، فاتح فاه لالتقامه، وفي أعلى ذلك البئر جرذان أبيض وأسود، لا يزالان يقرضان ذلك الحبل، شيئاً فشيئاً، ولا يفتران عن قرضه آناً ما، وذلك الشخص مع رؤيته ذلك الثعبان، ومشاهدته لانقراض الحبل آناً فآناً، قد أقبل على قليل عسل، قد لُطخ به جدار ذلك البئر وامتزج بترابه، واجتمع عليه زنابير كثيرة ، وهو مشغول بلطعه، منهمك فيه، متلذذ بما أصاب منه، مخاصم لتلك الزنابير التي عليه، قد صرف جميع باله إلى ذلك، فهو غير ملتفت الى ما فوقه وما تحته.

فالبئر هو الدنيا، والحبل هو العمر، والثعبان الفاتح فاه هو الموت،

_____________________

(1) نهج البلاغة في وصيته عليه السلام لابنه الحسن.

{ 202 }

والجرذان هما الليل والنهار القارضان للأعمال، والعسل المختلط بالتراب هو لذات الدنيا الممزوجة بالكدر والآثام، والزنابير هم أبناء الدنيا المتزاحمون عليها».

ومن العبر البالغة في تصرم الحياة وإن طالت: ما روي أن نوحاً عليه السلام عاش ألفين وخمسمائة عام، ثم إن ملك الموت جاءه وهو في الشمس، فقال: السلام عليك. فرّد عليه نوح عليه السلام وقال له: ما حاجتك يا ملك الموت؟ قال: جئت لأقبض روحك. فقال له: تدعني أتحوّل من الشمس الى الظل. فقال له: نعم. فتحول نوح عليه السلام ثم قال: يا ملك الموت فكأن ما مرّ بي في الدنيا مثل تحولي من الشمس الى الظل!! فامض لما أمرت به. فقبض روحه عليه السلام.

ومن عبر الطغاة والجبارين ما قاله المنصور لمّا حضرته الوفاة «بعنا الآخرة بنومة».

وردّد هارون الرشيد وهو ينتقي أكفانه عند الموت: «ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه» (الحاقة: 28 - 29).

وقيل لعبد الملك بن مروان في مرضه: كيف تجدك يا أبا مروان؟ قال: أجدني كما قال اللّه تعالى: «ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خَوّلناكم وراء ظهوركم» (الأنعام: 94).

ورأى زيتون الحكيم رجلاً على شاطئ البحر مهموماً محزوناً، يتلهف على الدنيا، فقال له: يا فتى ما تلهفك على الدنيا! لو كنت في غاية الغنى، وأنت راكب لجة البحر، وقد انكسرت بك السفينة،


{ 203 }

وأشرفت على الغرق، أما كانت غاية مطلوبك النجاة، وإن يفوتك كل ما بيدك. قال: نعم .

قال: ولو كنت ملكاً على الدنيا، وأحاط بك من يريد قتلك، أما كان مرادك النجاة من يده، ولو ذهب جميع ما تملك. قال: نعم.

قال: فأنتَ ذلك الغنيُّ الآن، وأنت ذلك الملكُ، فتسلى الرجل بكلامه.

وقال بعض العارفين لرجل من الأغنياء: كيف طلبك للدنيا؟ فقال: شديد. قال: فهل أدركت منها ما تريد؟ قال: لا. قال: هذه التي صرفت عمرك في طلبها لم تحصل منها على ما تريد فكيف التي لم تطلبها!!

ولا ريب أن تلك العظات لا تنجع إلا في القلوب السليمة، والعقول الواعية، أما الذين إسترقتهم الحياة، وطبعت على قلوبهم، فلا يجديهم أبلغ المواعظ، كما قال بعض العارفين: إذا أشرب القلبُ حبَّ الدنيا لم تنجع فيه كثرة المواعظ، كما أن الجسد إذا استحكم فيه الداء، لم ينجع فيه كثرة الدواء.

{ 204 }

(ب) غرور العلم

ومن صور الغرور ومفاتنه، الاغترار بالعلم، واتساع المعارف، مما يثير في بعض الفضلاء الزهو والتيه، والتنافس البشع على الجاه، والتهالك على الأطماع، ونحوها من الخلال المقيتة، التي لاتليق بالجُهّال فضلاً عن العلماء.

وربّما أفرط بعضهم في الزهو والغرور، فَجُنَّ بجنون العظمة، والتطاول على الناس بالكبر والازدراء.

وفات المغترين بالعلم أنّ العلم ليس غاية في نفسه، وإنّما هو وسيلة لتهذيب الانسان وتكامله، وإسعاده في الحياتين الدنيوية والاخروية، فإذا لم يحقق العلم تلك الغايات السامية، كان جُهداً ضائعاً، وعَناءاً مُرهقاً، وغروراً خادعاً: «مثل الذين حُملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً» (الجمعة: 5).

وقد أحسن الشاعر حيث يقول:

ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم*** ولو عَظّموه في النفوس لعَظُما

ولكن أهانوه فهان وجهّموا*** محياه بالأطماع حتى تجهما

فالعلم كالغيث ينهلّ على الأرض الطيبة، فيحيلها جناناً وارفة،

{ 205 }

تزخر بالخير والجمال، وينهلّ على الأرض السبخة فلا يجديها نفعاً.

وهكذا يفيء العلم على الكرام طيبة وبهاءاً، وعلى اللئام خبثاً ولؤماً.

وكيف يغتر العالِم بعلمه، ولم يكن الوحيد في مضماره، فقد عرف الناس قديماً وحديثاً علماء أفذاذاً جَلّوا في ميادين العلم، وحَلقوا في آفاقه، وكانت لهم مآثرهم العلمية الخالدة.

وعلى م الاغترار بالعلم، ومسؤولية العالم خطيرة، ومؤاخذته أشدّ من الجاهل، والحجة عليه الزم، فإن لم يهتد بنور العلم، ويعمل بمقتضاه، كان العلم وبالاً عليه، وغدا قدوة سيئة للناس.

أنظر كيف يصور أهل البيت عليهم السلام جرائر العلماء المنحرفين، وأخطارهم:

فعن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت اُمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي. قيل: يا رسول اللّه ومن هما؟ قال: الفقهاء والأمراء»(1).

وقال الصادق عليه السلام: «يُغفر للجاهل سبعون ذنباً، قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد»(2).

وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «يطلع قوم من أهل الجنة الى قوم من أهل النار، فيقولون: ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة لفضل تأديبكم وتعليمكم؟ فيقولون: إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله»(3).

_____________________

(1) البحار م 1 ص 83 عن خصال الشيخ الصدوق.

(2) الوافي مجلد العقل والعلم ص 52 عن الكافي.

(3) الوافي في وصيته (ص) لأبي ذر.

{ 206 }

فجدير بالعلماء والفضلاء أن يكونوا قدوة حسنة للناس، ونموذجاً للخلق الرفيع، وان يتفادوا ما وسعهم مزالق الغرور، وخلاله المقيتة، وان يستشعروا الآية الكريمة:

«تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين» (القصص: 83).

{ 207 }

(ج) غرور الجاه

ويعتبر الجاه والسلطة من أقوى دواعي الغرور، وأشد بواعثه، فترى المتسلطين يتيهون على الناس زهواً وغروراً، ويستذلون كراماتهم صَلَفاً وكِبراً.

وقد عاش الناس هذه المأساة في غالب العصور، وعانوا غرور المتسلطين وتحديهم، بأسى ولوعة بالغين.

وفات هؤلاء المغرورين بمفاتن السلطة والرعة، ان الاسراف في الغرور والأنانية أمر يستنكره الاسلام ويتوعد عليه بصنوف الانذار والوعيد، في عاجل الحياة وآجلها، كما يعرضهم لمقت الناس وغضبهم ولعنهم، ويخسرون بذلك أغلى وأخلد مآثر الحياة: حب الناس وعطفهم، وكان عليهم أن يستغلوا جاههم، ونفوذهم في استقطاب الناس، وتوفير رصيدهم الشعبي، وكسب عواطف الجماهير وودّهم.

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم*** فطالما استعبد الاحسان إنسانا

وأقوى عامل على تخفيف حدة هذا الغرور، وقمع نزواته العارمة، هو التأمل والتفكر فيما ينتاب هؤلاء المغرورين من صروف الدهر، وسطوة الأقدار، وتنكر الزمان. فصاحب السلطان كراكب الأسد، لا يدري أمَدَ

{ 208 }

غضبه وافتراسه.

وقد زخر التاريخ بصنوف العبر والعظات الدالة على ذلك:

ومنها: ما ذكره عبد اللّه بن عبد الرحمن صاحب الصلاة بالكوفة،

قال: دخلت إلى أمي في يوم أضحى، فرأيت عندها عجوزاً في أطمار رثة، وذلك في سنة 190، فاذا لها لسان وبيان، فقلت لأمي: من هذه؟ قالت: خالتك عباية أم جعفر بن يحيى البرمكي. فسلمت عليها، وتحفيت بها، وقلت: أصارك الدهر الى ما أرى؟!

فقالت: نعم يا بني، إنّا كنّا في عواري ارتجعها الدهر منّا. فقلت: فحدثيني ببعض شأنك.

فقالت: خذه جملة، لقد مضى عليّ أضحى، وعلى رأسي أربعمائة وصيفة، وأنا أزعم أنّ ابني عاق، وقد جئتك اليوم أطلب جلدتي شاة، اجعل إحداهما شعاراً، والأخرى دثاراً.

قال فرفقت لها، ووهبت لها دراهم، فكادت تموت فرحاً(1).

ودخل بعض الوعاظ على الرشيد، فقال: عظني، فقال له: أتراك لو منعت شربة من ماء عند عطشك، بم كنت تشتريها؟ قال: بنصف مُلكي.

قال: أتراها لو حُبِسَت عند خروجها بم كنت تشتريها؟ قال: بالنصف الباقي.

_____________________

(1) سفينة البحار م 2 ص 609.

{ 209 }

قال: فلا يغزنّك مُلك قيمته شربة ماء (1).

فجدير بالعاقل أن يدرك أن جميع ما يزهو به، ويدفعه على الغرور من مال، أو علم، أو جاه، ونفوذ، إنّما هي نِعَم وألطاف إلهية أسداها المنعم الأعظم، فهي أحرى بالحمد، وأجدر بالشكر، منها بالغرور والخيلاء.

الجاه بين المدح والذم:

ليس طلب الجاه مذموماً على الاطلاق، وإنما هو مختلف باختلاف الغايات والأهداف، فمن طلبه لغاية مشروعة، وهدف سام نبيل، كنصرة المظلوم، وعون الضعيف، ودفع المظالم عن نفسه أو غيره، فهو الجاه المحبب المحمود.

ومن توخاه للتسلط على الناس، والتعالي عليهم، والتحكم بهم، فذلك هو الجاهالرخيص الذميم.

وقد تلتبس الغايات أحياناً في بعض صور الجاه، كالتصدي لامامة الجماعة، وممارسة توجيه الناس وإرشادهم، وتسنم المراكز الروحية الهامة.

فتتميز الغايات آنذاك بما يتصف به ذووها من حسن الاخلاص، وسمو الغاية، وحب الخير للناس، أو يتسمون بالأنانية، والانتهازية، وهذا من صور الغرور الخادعة، أعاذنا اللّه منها جميعاً.

_____________________

(1) لآلي النركاني.

{ 210}

(د) غرور المال

وهكذا يستثير المال كوامن الغرور، ويعكس على أربابه صوراً مقيتة من التلبيس والخداع.

فهو يفتن الأثرياء من عشاق الجاه، ويحفّزهم على السخاء والأريحية، بأموال مشوبة بالحرام، ويحبسون أنهم يحسنون صنعاً، وهم مخدوعون مغرورون.

وقد يتعطف بعضهم على البؤساء والمعوزين جهراً ويشحّ عليهم سراً، كسباً للسمعة والاطراء، وهو مغرور مفتون.

ومنهم من يمتنع عن أداء الحقوق الالهية المحَتّمة عليه بخلاً وشحاً، مكتفياً بأداء العبادات التي لا تتطلب البذل والانفاق، كالصلاة والصيام، زاعماً براءة ذمته بذلك، وهو مفتون مغرور، إذ يجب أداء الفرائض الإلهية مادية وعبادية، ولكل فرض أهميته في عالم العقيدة والشريعة.

ومن أجل ذلك كان المال من أخطر بواعث الغرور ومفاتنه.

فعن الصادق عليه السلام قال: «يقول ابليس: ما أعياني في ابن آدم فلن يُعييني منه واحدة من ثلاثة: أخذُ مالٍ من غير حلّه، أو مَنعه من حقه، أو وضعه في غير وجهه»(1).

_____________________

(1) عن خصال الصدوق (ره).

{ 211 }

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله،: إن الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مهلكاكم»(1).

المال بين المدح والذم:

للمال محاسنه ومساوئه، ومضاره ومنافعه، فهو يُسعد ويشقي أربابه تبعاً لوسائل كسبه وغايات إنفاقه.

فمن محاسنه: أنه الوسيلة الفعالة لتحقيق وسائل العيش، ونيل مآرب الحياة، وأشواقها المادية، والسبب القوي في عزة ملاكه واستغنائهم عن لئام الناس، والذريعة الهامة في كسب المحامد والأمجاد. كما قال الشريف الرضي رحمه اللّه:

اشتر العِزّ بما بِيع*** فما العز بغالي

بالقصار الصفر إن*** شِئت أو السمر الطوال

ليس بالمغبون عقلاً***من ثرى عزاً بمال

إنما يُدّخر المال*** لحاجات الرجال

والفتى من جعل الأموال*** أثمان المعالي

كما أن المال من وسائل التزود للآخرة، وكسب السعادة الأبدية فيها.

ومن مساوئ المال: أنه باعث على التورط في الشبهات، واقتراف المحارم والآثام، كاكتسابه بوسائل غير مشروعة، أو منع الحقوق الالهية

_____________________

(1) الوافي ج 3 ص 152 عن الكافي.

{ 212 }

المفروضة عليه، أو إنفاقه في مجالات الغواية والمنكرات، كما أوضحت غوائله النصوص السالفة.

وهو الى ذلك من أقوى الصوارف والملهيات عن ذكر اللّه عز وجل، والتأهب للحياة الأخروية الخالدة.

«يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون» (المنافقون: 9)

فليس المال مذموماً إطلاقاً، وإنما يختلف باختلاف وسائله وغاياته، فان صحت ونَبُلَت كان مدعاة للحمد والنثاء، وإن هبطت وأسفّت كان مدعاة للذم والاستنكار.

ولما كانت النفوس مشغوفة بالمال، ومولعة بجمعه واكتنازه، فحريّ بالمؤمن الواعي المستنير، أن لا ينخدع ببريقه، ويغترّ بمفاتنه، وأن يتعظ بحرمان المغرورين به، والحريصين عليه، من كسب المثوبة في الآخرة، وإفلاسهم مما زاد عن حاجاتهم وكفافهم في الدنيا، فانهم خزّان أمناء، يكدحون ويشقون في ادخاره، ثم يخلّفونه طعمة سائغة للوارثين، فيكون عليهم الوزر ولأبنائهم المُهنّى والاغتباط.

{ 213 }

غرور النسب

وقد يغتر بعضهم برفعة أنسابهم، وانحدارهم من سلالة أهل البيت عليهم السلام، فيحسبون أنهم ناجون بزلفاهم، وإن انحرفوا عن نهجهم، وتعسفوا طرق الغواية والضلال.

وهو غرور خادع حيث أن اللّه تعالي يكرم المطيع ولو كان عبداً حبشياً، ويهين العاصي ولو كان سيداً قرشياً.

وما نال أهل البيت عليهم السلام تلك المآثر الخالدة ونالوا شرف العزة والكرامة عند اللّه عز وجل الا باجتهادهم في طاعة اللّه، وتفانيهم في مرضاته.

فاغترار الأبناء بشرف آبائهم وعراقتهم، وهم منحرفون عن سيرتهم، من أحلام اليقظة ومفاتن الغرور.

أرأيت جاهلاً غدا عالماً بفضيلة آبائه؟ أو جباناً صار بطلاً بشجاعة أجداده؟ أو لئيماً عاد سخياً معطاءاً بجود أسلافه؟ كلا، ما كان اللّه تعالى ليساوي بين المطيع والعاصي، وبين المجاهد والوادع.

أنظر كيف يقص القرآن الكريم ضراعة نوح عليه السلام الى ربه في استشفاع وليده الحبيب ونجاته من غمرات الطوفان الماحق، فلم يُجده

{ 214 }

ذلك لكفر ابنه وغوايته: «ونادى نوح ربه، فقال: رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال: يا نوح إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح، فلا تسألنِ ما ليس لك به علم، إني أعظك أن تكون من الجاهلين» (هود: 45 - 46)

واستمع الى سيد المرسلين صلى اللّه عليه وآله كيف يملي على أسرته الكريمة درساً خالداً في الحث على طاعة اللّه تعالى وتقواه، وعدم الاغترار بشرف الأنساب والأحساب، كما جاء عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: «قام رسول اللّه صلى اللّه عيه وآله على الصفا، فقال: يا بني هاشم يا بني عبد المطلب، إني رسول اللّه اليكم، وإني شفيق عليكم، وإن لي عملي، ولكل رجل منكم عمله، لا تقولوا إن محمداً منّا، وسندخل مدخله، فلا واللّه ما أوليائي منكم، ولا من غيركم يا بني عبد المطلب إلا المتقون، ألا فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الناس على ظهوركم، ويأتي الناس يحملون الآخرة، ألا إني قد أعذرت اليكم، فيما بيني وبينكم، وفيما بيني وبين اللّه تعالى فيكم»(1).

فجدير بالعاقل أن يتوقى فتنة الغرور بشرف الأنساب، وأن يسعى جاهداً في تهذيب نفسه وتوجيهها وجهة الخير والصلاح، متمثلاً قول الشاعر:

إن الفتى من يقول ها أنذا*** ليس الفتى من يقول كان أبي

_____________________

(1) الوافي ج 3 ص 60 عن الكافي.



الحسد

وهو تمني زوال نعمة المحسود، وانتقالها للحاسد، فإن لم يتمنَّ زوالها بل تمنى نظيرها، فهو غبطة، وهي ليست ذميمة.

والحسد من أبشع الرذائل وألأم الصفات، وأسوأ الانحرافات الخلقية أثراً وشراً، فالحسود لا ينفك عن الهم والعناد، ساخطاً على قضاء اللّه سبحانه في رعاية عبيده، وآلائه عليهم، حانقاً على المحسو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://morth.forumarabia.com
ياقوت الاحمر

ياقوت الاحمر


عدد المساهمات : 412
تاريخ التسجيل : 04/06/2012

الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل   الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل Icon_minitimeالإثنين أغسطس 06, 2012 9:02 pm


الموضوع طويـــــــــــــل
وشيق ..تسلم يمينك .

«ومالي لا أبكي!! ولا أدري الى ما يكون مصيري، وأرى نفسي تخادعني، وأيامي تخاتلني، وقد خفقت عند رأسي أجنحة الموت، فمالي لا ابكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إيّايَ، أبكي لخروجي من قبري عرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظهري، أنظر مرة عن يميني، وأخرى عن شمالي، إذ الخلائق في شأن غير شأني (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة، ووجوه يومئذ عليها غبرة، ترهقها قترة)السلام عليك يا علي ابن حسين (زين العابدين )


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الله السائر الى الله
المديرالعام للمنتدى



عدد المساهمات : 1869
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل   الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل Icon_minitimeالإثنين أغسطس 06, 2012 10:59 pm

وفقكم الله الياقوت الاحمر انتم فعلا ياقوت اللهم اسلك بهم الجنان وعرفهم محمد وال محمد حقا واحشرنا واياهم في زمرتهم [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://morth.forumarabia.com
نبرات الاحزان

نبرات الاحزان


عدد المساهمات : 62
تاريخ التسجيل : 02/01/2013

الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل Empty
مُساهمةموضوع: رد: الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل   الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل Icon_minitimeالخميس يناير 10, 2013 10:06 pm

كثير كلمات ومعاني وقيم يحمله موضوع سلمت يمناكم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» للمعطله في كل الأحوال وحتى إن كان عليها اي عمل بإذن الله تعالى ترفع عنها الأعمال ويتم المراد بإذن الله تعالى
» قوله بنيسابور عن آبائه عن رسول الله عن الله تعالى : " .. لا إله إلا الله .. " قد دخل حصني " وقصة شجرة اللوزقصة رجل الذي أخذوه اللصوص وملأوا فاه من الثلج
» عقيدتنا في الله تعالى واجب ان تفهم معنى العقيده في الله
» العلة التي من أجلها بعث الله موسى بالعصا وعيسى بابراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، وبعث محمدا بالقرآن والسيف ، ومعنى قوله تعالى : " قال الذي عنده علم من الكتاب " ، وسجود يعقوب لولده يوسف ومعنى قوله تعالى : " فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين
» طلب المدد من الله تعالى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السيد مرتضى الموسوي الروحاني رقم الجوال009647806835991 :: قسم الاخلاق الاسلامية وحقيقتها-
انتقل الى: