ما هي الصوفيه ومتى نشأت؟

( ما هو التصوف وكيف نشأت الصوفية ومتى..؟ وهل هي من مذاهب الاسلام ؟ وما هي الطريقة ؟)
الجواب : التصوف حركة دينية انتشرت في العالم الاسلامي في القرن الثالث الهجري في البداية كنزعات فردية تدعو الى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثم صارت طرقا مميزة معروفة باسم الصوفية.
ان ما يدعو اليه الصوفية من الزهد والورع والتوبة والرضا, انما هي من حيث المبدأ من صلب الاسلام , ولكن الصوفية ابتدعوا مفاهيم وسلوكيات خاصة يتوخون منها تربية النفس والسمو بها بغية الوصول الى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل المألوفة . وقد تنوعت وتباينت آراء الناس وتوجهاتهم نحو تلك الحركات لأن ظاهرها لا يدل على باطنها, ويخلط الكثيرون بين الزهد والتصوف
ويختلف المفسرون في اصل اشتقاق اسم الصوفية ولكن الاغلبية ينسبونه الى لبس الصوف, ويفسر هذا تشوفهم الى المبالغة في التقشف والرهبنة وتعذيب النفس والبدن باعتبار ذلك كله لونا من الوان التقرب الى الله.
نشأة الصوفية: لا يعرف على وجه التحديد من بدأ التصوف في الاسلام ويقال بأن التصوف اول ما ظهر كان في الكوفة وان اول من عرف بالصوفي هو ابوهاشم الكوفي سنة 150هـ" وقد بلغ التصوف ذروته في نهاية القرن الثالث وواصلت الصوفية انتشارها في بلاد فارس ثم العراق ومصر والمغرب, وظهرت من خلالها الطرق الصوفية.
العقيدة الصوفية:تختلف العقيدة الصوفية عن غيرها في امور عديدة اهمها: مصدر المعرفة الدينية, ففي الاسلام لا تثبت عقيدة إلا بقرآن وسنة لكن في التصوف تثبت العقيدة بالالهام والوحي للأولياء والاتصال الروحاني, وبالفناء في الله, وانجلاء مرآة القلب حتى يظهر الغيب كله للولي الصوفي حسب زعمهم, وبالكشف, والارتباط بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث يستمد العلوم منه. ويزعمون ان لكل حرف في القرآن معنى لا يطلع عليه إلا الصوفي المتبحر, المكشوف عن قلبه.
ومن عقائد الصوفية "الحلول" وهو الترقي حتى يصل الفرد منهم في زعمهم الى مقام الألوهية والربوبية. البسطامي من اعلام القرن الثالث في التصوف ومن أئمة الصوفية يقول: "رفعني مرة فأقامني بين يديه, وقال لي: يا أبا يزيد ان خلقي يحبون ان يروك, فقلت: زيني بوحدانيتك, "
وتأكيد الصوفية على القول بالحلول جعلهم يصلون في النهاية الى القول "بوحدة الوجود" التي تعني في العقيدة الصوفية انه ليس هناك موجود إلا الله سبحانه وتعالى فليس غيره في الكون, وما هذه الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة الإلهية. ويؤمن الصوفية بهذه العقيدة حتى يومنا هذا.
يعتقد الصوفية في الرسول صلى الله عليه وسلم عقائد شتى فمنهم من يعظم الرسول صلى الله عليه وسلم الى درجة الوصول الى الألوهية حيث يعتقد البعض من الصوفية ان الرسول صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون وان السماوات والارض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره وانه اول موجود وهو المستوي على عرش الله وهذه عقيدة ابن عربي ومن جاء بعده.
اما عقيدنهم في الاولياء فيرى الصوفية ان الولي هو: "من يتولى الله سبحانه امره فلا يكله الى نفسه لحظة, ومن يتولى عبادة الله وطاعته, ويعتقد الصوفية في الأولياء بأن لهم القدرة على انزال المطر وشفاء الأمراض واحياء الموتى وحفظ العالم من الدمار.
والصوفية يعتقدون ان طلب الجنة والفرار من النار ليس هدفا , فالله يعبد لذاته حيث يزعم المتصوفة ان العبادة الحقة هي ما كانت دون طلب العوض من الله . والصوفية يعتقدون ان طلب الجنة منقصة عظيمة وانه لا يجوز للولي ان يسعى اليها ولا ان يطلبها ومن طلبها فهو ناقص, وانما الطلب عندهم والرغبة في الفناء في الله, والاطلاع على الغيب والتعريف في الكون.. هذه جنة الصوفي واما النار فإن الصوفية يعتقدون ايضا ان الفرار منها لا يليق بالصوفي الكامل لان الخوف منها طبع العبيد وليس الاحرار.
يعتقد الصوفية ان الصلاة والصوم والحج والزكاة عبادات العوام وأما هم فيسمون انفسهم الخاصة ولذلك فعباداتهم مخصوصة وان تشابهت ظاهرا . واذا كانت العبادات في الاسلام لتزكية النفس وتطهير المجتمع فإن العبادات في التصوف هدفها ربط القلب بالله تعالى للتلقي عنه مباشرة حسب زعمهم والفناء فيه واستمداد الغيب من الرسول صلى الله عليه وسلم والتخلق باخلاقه- ويقول مناهضو التصوف بان الصوفيين يحللون بعض الحرمات
للخضر عليه السلام الذي وردت قصته في القرآن في سورة الكهف منزلة خاصة في الفكر الصوفي حيث جعلوه عمودا من اعمدة العقيدة (الصوفية) وجعلوا الخضر مصدرا للوحي والالهام والعقائد والتشريع, ونسبوا طائفة كبيرة من علومهم التي ابتدعوها الى الخضر
وللصوفية اذاكار خاصة منها مثلا ذكر اسم الله مفردا بقولهم "الله الله الله" او مضمرا بقولهم "هو, هو, هو" ومن الصلوات التي ابتدعها المتصوفة صلاة الفاتح التي تقول: "اللهم صلي على سيدنا محمد الفاتح لما اغلق, والخاتم لم سبق, وناصر الحق بالحق...."
في المجتمع الصوفي يتفشى ما يسمى بالسماع والتغني بالاشعار مع دق الطبول وهذا يقصد به الصوفية عبادة الله تعالى, ويتضح تأثر الصوفية به.
وتهتم كتب التراث الصوفي بنشر خوارق الشيوخ, وتركيزهم على اختلاق قصص خيالية, واساطير كثيرة ليرفعوا بها ما للشيوخ والأولياء من مكانة ومنزلة في نفوس الاتباع, ويهتمون بموضوع الكرامات ؟وانصار الفكر الصوفي لا يتصورون ولاية دون خوارق ظنا منهم بان ذلك جالب للاحترام وموجب للتقديس عند الخاص والعام.فيروون عنهم حتى ما لا يقبله العقل !!!
وللصوفية طرقهم على الرغم من صعوبة تحديد المراد بالطريقة والوصول لمفهوم موحد لجميع الطرق الصوفية الا ان الطريقة الصوفية تعني النسبة او الانتساب الى شيخ يزعم لنفسه الترقي في ميادين التصوف والوصول الى رتبة الشيخ المربي ويدعي لنفسه رتبة صوفية من مراتب الأولياء. كما انها تعنى: ان يختار جماعة من المريدين شيخا لهم يسلك بهم رياضة خاصة بهم على دعوى وزعم تصفية القلب لغاية الوصول الى معرفة الله. وهناك تنافس محموم بين الطرق الصوفية لجذب المريدين ولذلك فان كل طريقة تحاول ان يكون لها ذكر خاص تنفرد به عن سائر الطرق, وان يكون لهذا الذكر ميزة خاصة ولكل طريقة مشاعر خاصة من حيث لون العلم والخرقة وطريقة الذكر ونظام الخلوة, والطرق يتوارثها الابناء من الآباء وذلك ان الطريقة التي تستطيع جذب عدد كبير من المريدين والتابعين تصبح بعد مدة اقطاعية دينية تفد الوفود الى رئيسها او شيخها من كل ناحية, وتأتيه الصدقات والهبات والبركات من كل حدب وصوب وحيثما حل الشيخ في مكان ذبحت الطيور والخرفان واقيمت الموائد, ولذلك فإن أصحاب الطرق الصوفية اليوم يقاتلون عنها بالسيوف. وللانتماء الى احدى الطرق شروط ومراسيم معلومة عندهم !!
وقد وضع أبو سعيد محمد أحمد الميهي الصوفي 430هـ أول هيكل تنظيمي للطرق الصوفية بجعله متسلسلا عن طريق الوراثة, ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها فظهرت الطريقة القادرية المنسوبة لعبدالقادر الجيلاني 561هـ
كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس الرفاعي 540هـ , وفي القرن السابع الهجري دخل التصوف الأندلس وأصبح ابن عربي أحد رؤوس الصوفية 638هـ , واستمرت الصوفية بعد ذلك في القرون التالية إذ اختلط الأمر على الصوفية لاختلاط افكار المدارس الصوفية وبدأت مرحلة الدراويش
نماذج من الطرق الصوفية
الطريقة القادرية وتسمى الجيلانية: أسسها عبدالقادر الجيلاني المتوفى سنة 561هـ , يزعم اتباعه انه أخذ الخرقة والتصوف عن الحسن البصري عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهما, كما نسبوا إليه معرفة الغيب, وإحياء الموتى , بالإضافة إلى مجموعة من الأذكار والأوراد والأقوال التي منها: من استغاث بي في كربة كشفت عنه, ومن نادني في شدة فرجت عنه ومن توسل بي في حاجة قضيت له
الطريقة الرفاعية: تنسب إلى ابي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي ويطق عليها البطائحية نسبة إلى البطائح قرب البصرة بالعراق, وجماعته يستخدمون السيوف ودخول النيران في اثبات الكرامات.
البدوية: وتنسب الى احمد البدوي 634هـ ولد بفاس, حج ورحل الى العراق, واستقر في طنطا بمصر حتى وفاته, له فيها ضريح مقصود, يقام غيه احتفال بمولده سنويا يمارس فيه الكثير من البدع والاستغاثة والتبرك والتوسل واتباع طريقته منتشرون في بعض محافظات مصر, ولهم فيها فروع كالبيومية والشناوية واولاد نوح والشعبية وشارتهم العمامة الحمراء.
الطريقة الدسوقية: تنسب الى ابراهيم الدسوقي 676هـ المدفون بمدينة دسوق في مصر, يدعي المتصوفة انه احد الاقطاب الاربعة الذين يرجع اليهم تدبير امور الكون
الطريقة الأكبرية: نسبة الى الشيخ محيي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر 638هـ, وتقوم طريقته على عقيدة وحدة الوجود والصمت والعزلة والجوع والسهر,
الطريقة الشاذلية: تنسب الى ابي الحسن الشاذلي يؤمن اصحابها بالذكر المفرد "الله" او مضمرا "هـو", ومن معتقداتهم السماع وهو سماع الاناشيد والاشعار التي تمجد الرسول (ص)
الطريقة البكداشية: كان الاتراك العثمانيون ينتمون الى هذه الطريقة, وهي لا تزال منتشرة في البانيا, كما انها اقرب الى التصوف الشيعي, وكان لهذه الطريقة اثر بارز في نشر الاسلام بين الاتراك والمغول
الطريقة المولوية: انشأها الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي 672هـ والمدفون بقونية, اصحابها يتميزون بادخال الرقص والايقاعات في حلقات الذكر, وقد انتشروا في تركيا وغرب آسيا, ولم يبق لهم في الايام الحاضرة الا بعض التكايا في تركيا وحلب وفي بعض اقطار المشرق.
الطريقة النقشبندية: تنسب الى الشيخ بهاء الدين محمد بن البخاري الملقب بشاه نقشبند 791هـ وهي طريقة تشبه الطريقة الشاذلية, انتشرت في فارس وبلاد الهند
الطريقة التيجانية: اسسها ابو العباس احمد التيجاني 1230هـ , الذي ولد بالجزائر يلاحظ على اصحاب هذه الطريقة شدة تهويلهم للامور الصغيرة وتصغيرهم للامور العظيمة مما أدى الى ان تفشي التكاسل بينهم, وقد بدأت هذه الطريقة في مدينة فاس وصار لها أتباع في السنغال ونيجيريا وشمال افريقيا ومصر والسودان.
الطريقة الختمية: ارتباط الطريقة بالفكر والمعتقد الشيعي واخذهم من ادب الشيعة وقد اسسها محمد عثمان الميرغني ويلقب بالختم اشارة الى انه خاتم الاولياء, كما تسمى الطريقة الميرغنية .. وقد بدأت من مكة والطائف, وارست لها قواعد في جنوب وغرب الجزيرة العربية, كما عبرت الى السودان ومصر, وتتركز قوة الطريقة من حيث الاتباع والنفوذ الآن في السودان.. وتهتم باقامة الاحتفالات الخاصة باحياء ذكر مولد النبي واقامة ليالي الذكر أو الحولية.
الطريقة العلية القادرية الكسنزانية : ينسبون طريقتهم الى الامام علي ، ويستمدون افكارهم من عدد من المشايخ ابرزهم السري السقطي والجنيد البغدادي وعبد القادر الكيلاني وغيرهم والتسمية من كلمة كردية كسنزان وتعني الشخص الذي لا يعلم حقيقته احد وقد اطلقت على مؤسسها الذي اعتكف في الجبال للتعبد جد شيخها الحالي محمد عبد الكريم الذي ينتمي الى عشيرة البرزنجية شمال العراق وشتهرت هذه الطريقة باعمال العنف الجسدي الذي يمارسونه في التكايا (بيوت الذكر) وهي منتشرة في العراق وايران والهند
أهم الشخصيات الصوفية
البسطامي (261هـ): ابو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي , اول من استخدم لفظ الفناء بمعناه الصوفي الذي يقصد منه الاتحاد بذات الله,
الحلاج (309هـ): الحسين بن منصور الحلاج, صوفي فيلسوف, وهو يدعي الحلول ومعناه حلول الإله فيه دس عليه بعضهم عند الخليفة المقتدر فألقي القبض عليه لتتم مناظرته ومناقشته بحضره القضاة وامروا بقتله فصلب في بغداد.
الغزالي (450 ـ 505هـ): ابو حامد محمد بن احمد الطوسي الملقب بحجة الاسلام, نشأ في بيئة كثرت فيها الآراء والمذاهب مثل علم الكلام والفلسفة, والباطنية, والتصوف, وأورثه ذلك حيرة وشكا , ألف عددا من الكتب أهمها تهافت الفلاسفة والمنقذ من الضلال, واهمها على الاطلاق احياء علوم الدين, ويعد الغزالي رئيس مدرسة الكشف في المعرفة..
ابن الفارض (566 ـ 632): هو ابو حفص عمر بن علي الحموي الاصل المصري المولد, لقب بشرف الدين, وهو من الغلاة في وحدة الوجود, له شعر شائع في التصوف..
ابن عربي (560 ـ 638هـ): وهو ابو بكر محيي الدين محمد بن علي بن عربي الحاتمي الطائي الاندلسي, الملقب بالشيخ الاكبر عند الصوفية, رئيس مدرسة وحدة الوجود, استقر في دمشق حيث مات ودفن, وله فيها قبر يزار, طرح نظرية الإنسان الكامل التي تقوم على ان الانسان وحده من بين المخلوقات يمكن ان تتجلى فيه جميع الصفات الالهية اذ تيسر له الاستغراق في وحدانية الله,
الصوفية باللغة الانجليزية Sufism