هل الله موجود ؟ " برهان النظم " .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الحبة و برأ النسمة ، فظهرت آياته و غلبت حججه و سرى أمره

و الصلاة و السلام على خير من ركع و كبر و سجد رسول الله (ص) و أهل بيته (ع) الذين لا يقاس بهم أحد

لو راقبنا الحضارات الغابرة ( الهمجية ) لما وجدناها تختلف عن حضارات اليوم إلا في الشكل الخارجي أما الأنفس فواحدة ، ففي كل عصر من العصور نمرود و فرعون و هامان و قارون و سامري ... و عالمنا العربي و الإسلامي شاهد على ذلك كما أن للغرب الحصة الأكبر من الظلم و الإسراف و فساد العقائد و المعاملات و اننا لا نجد سبباً لمشاكل الأرض و أهلها غير مشكلة إنعدام الإيمان في قلوب الناس الذين اتخذوا لنفسهم إسم الماديين و ادعوا تمسكهم بالعقل و العلم و هم عنه بمنأى !! من هنا نقول بعد أن كان أول مراحل الإيمان الإعتقاد بالله - عز وجل - اندفعنا لكتابة برهان النظم لعله يوقظ النائمين من سباتهم و الساهين من استغراقهم و الغافلين من ضياعهم و هذا تقرير لبرهان النظم نستعرضه و نشرحه حتى يعلم القارئ مدى سخافة إعتقاد الماديين الملحدين

يبتني برهان النظام على أربع مقدمات

المقدمة الأولى : إن وراء الذهن الإنساني عالم مليء بالموجودات و هذه حقيقة متفق عليها بين الناس ، و هذه مقدمة بسيطة متفق عليها بين الناس على إختلاف درجات تفكيرهم

شرح : جاء في السابق من حاول انكارها ( السفسطائيون ) فكان واحدهم ينظر إلى الماء و يقول هذا ليس بماء و إذا رأى النار قال هي ليست ناراً و هذا المنهاج أسخف من أن نرد عليه فإن كان هناك في عالمنا الحالي من ينكر الموجودات و يدعي أنها صور و أوهام فنحن جاهزون للرد عليه ، فإن كان احدهم ينظر إلى النار و ينكر أنها نار فكل ما نريده منه هو أن يدخل فيها فما دامت غير موجودة أو وهمية فلن يتألم و لن يحترق !! و بهذا نكون قد ثبتنا المقدمة الأولى

المقدمة الثانية : إن عالم الطبيعة خاضع لنظام محدد و إن كل ما في الكون لا ينفك عن النظم و السنن التي كشفت العلوم الطبيعية عن بعضها ، و كلما تطورت العلوم يكتشف الإنسان قوانين أدق و أكثر تسود في العالم

شرح : سنستعرض بعض نماذج النظام و الدقة في الكون { سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } و لو شئنا لذكرنا أضعاف ما ذكرناه و لكن اللبيب من الإشارة يفهم فسبحان الخالق الذي قدر الأشياء بمقاديرها

- إن كل ذرة في هذا العالم تتمتع بخصائص معينة من حيث وزنها و تكوينها ، فكيف بالكون الواسع الذي ليس له حدود معلومة
- لو كانت الأرض أقرب قليلاً إلى الشمس لذابت الثلوج و إرتفع مستوى البحار و انغمرت اليابسة
- لو كانت الأرض أبعد قليلاً عن الشمس لساد البرد و تجمدت البحار و انعدمت الحياة مطلقاً
- لو أن القمر أقرب إلى الأرض لارتفعت البحار و لأغرقت السواحل بسبب المد و الجزر
- لو أن نسبة الأوكسيجين في الهواء كانت أعلى بقليل لانتشرت الحرائق على وجه الأرض و لكان اخمادها مستحيل
- لولا أن الشجر و العوالق البحرية تنتج الأكسيجين و تستهلك ثاني أكسيد الكربون لاختلت تركيبة الهواء و ماتت المخلوقات
- لو أن الأرض تخرج عن مدارها لأدى ذلك إلى إصطدام الكواكب ببعضها البعض و لن يبقى حي على وجه المعمورة
- لو لم يكن البحر مالحاً لعاشت فيه البكتيريا و تفشت الأوبئة و انتقلت من بلاد إلى بلاد لكن ملوحة البحر تقتل الجراثيم و تحافظ على مناخ نظيف

أما جسم الإنسان فهو عالم صغير أبسط ما نقول في عجائبه

- لولا أن ماء الأذن مر لدخلت الحشرات و استقرت في رأس الإنسان لكن سائل الأذن يقتلها فلا تدخل
- لو كان الريق حلواً أو مالحاً أو حامضاً أو مراً لأفسد نكهة الطعام ، فكون الريق بلا طعم آية
- لولا ملوحة ماء العين لفسدت شحمة العين ، فالشحم لحم نيء يفسد إلا إذا أحاطه الملح

المقدمة الثالثة : أصل العلية ، و المراد منه أن كل ما في الكون من سنن و قوانين لا ينفك عن علة توجده و أن تكون الشيء بلا مكون و تحققه بلا علة أمر محال لا يعترف به العقل بالفطرة ، و بالوجدان و البرهان . و على ذلك فكل الكون و ما فيه من نظم و علل نتيجة علة أوجدته و كونته .

شرح : قانون العلية لا يختلف فيه المادي و الإلهي ، فلكل سبب مسبب و لكل فعل فاعل ، أما الاشكال عند الماديين كان بقولهم بالتسلسل ( تسلسل العلل ) الذي يصل إلى مقام الأزلية فيقولون لكل معلول علة ، و هذه العلة بدورها لها علة ... إلى ما لا نهاية !! و هنا نرد عليهم و نقول : قانون التسلسل باطل بالعقل ، فتوقف كل علة على علة تسبقها يعني عدم وقوع أي فعل !! فكل علة تستند على علة قبلها من دون أن تبدأ أي علة منهم من تلقاء نفسها لأنها تحتاج إلى العلة التي قبلها حتى تخلقها !! كأن كل العلل تنتظر العلة الأولى أن تبدأ حتى يصل لها الدور و بما أن هناك تسلسل دائم فلا وجود لعلة أولى و هذا يعني أن العلل ستبقى تنتظر إلى الأبد و لن يقع أي فعل !! و كون الفعل وقع ( العالم موجود ) دليل أن هناك علة أولى و هي علة العلل .

المقدمة الرابعة : وجود الأثر يدل على وجود المؤثر و كما نقل عن أعرابي أنه قال : (( البعرة تدل على البعير ، وأثر الأقدام يدل على المسير )) و هذا لا يختلف فيه المادي و الإلهي و انما الأهم هي الصورة التالية : إن دلالة الأثر لا تنحصر في الهداية إلى وجود مؤثر ، بل لها دلالة أخرى و هي الكشف عن خصوصيات المؤثر من عقله و علمه و شعوره أو تجرده من تلك الكمالات و الصفات و غيرها

شرح : هدف برهان النظم هو ليس فقط الإشارة أن لهذا الكون خالق لأن هذا الأمر يتفق فيه المادي و الإلهي لكن المادي يقول أنه مخلوق من مادة القديمة و الإلهي يقول أن الله خلق الكون
فنقول إن النظام الدقيق في العالم يشير إلى أن خالق العالم عليم حكيم و ليس مادة صماء عمياء لا إدراك لها

----------------------------------------------------------------------------

سنوضح برهان النظم بأمثلة

المثال : إن من يقرأ معجم اللغة العربية المعروف ( لسان العرب ) ، يخرج بخلاصة :

1) هناك من كتب هذا الكتاب و لم يوجد الكتاب من تلقاء نفسه
2) لا شك أن كاتب هذا الكتاب عالم باللغة العربية من حيث : الأبجدية ، قواعد اللغة العربية ، معاني المفردات ، الكناية و التشبيه ، المشترك و المنقول

النتيجة : إن العالم بكل نظامه و دقته و ترابطه يوضح لنا أن خالق هذا الكون : عليم حكيم بديع

ما من إنسان عاقل يتخيل أن معجم اللغة العربية ( لسان العرب ) كتبه إنسان جاهل باللغة العربية !! و ليت شعري إن الملحدين يؤمنون بما هو أكثر سخافة من هذا الإفتراض فهم يقولون أن النظام الكوني نشأ عن طريق إنفجار عشوائي بعثر الأشياء كلها و بالصدفة أنتج هذا الكون المنتظم إنتظاماً عجيباً مع كل ما ذكرناه سابقاً من حكمة و دراية و دقة في المخلوقات !!

المثال : لو جاءكم رجل معه معجم ( لسان العرب ) و و عندما سألتموه عن مؤلف هذا الكتاب قال لكم : أنه حدث إنفجار في أحد المكاتب و صادف وجود أوراق و محبرة فتطايرت الأوراق و إنتشر الحبر فإذا بالحبر يقع على الأوراق (( بالصدفة )) على شكل أحرف عربية و (( بالصدفة )) أن طريقة صف الأحرف شكلت كلمات لها معنى و (( بالصدفة )) كتب الحبر المفردات و معانيها الواحدة بعد الأخرى بترتيب أبجدي و (( بالصدفة )) جرت هذه الحالة على آلاف الأوراق و (( بالصدفة )) سقطت الأوراق مرتبة فوق بعضها البعض من أول ورقة إلى آخر ورقة و (( بالصدفة )) تجلدت و تغلفت في غلاف واحد و لا ننسى العنوان على ظاهر الغلاف و الفهرس في نهاية المعجم !! ستقولون إن هذا الرجل الذي ادعى هذه الحكاية هو لا شك مجنون لا عقل له !!

إذا كان الإنفجار في المكتب أعجز من أي يخلق كتاب لا بل أعجز من أن يكتب سطر واحد له معنى !! فهل الكون مع ما فيه من نظام دقيق و تركيب متناسق و قوانين مادية و إرتباط متين و تكامل طبيعي حصل بسبب إنفجار !!

النتيجة : إن قصة الكتاب المضحكة أقرب إلى الواقع من مسألة الإنفجار العشوائي الذي حدث (( بالصدفة )) فالإنفجار يولد فوضى عارمة و لا يولد نظام شديد الدقة

و بذلك يثبت برهان النظم وجود علة للكون كما و يثبت أن هذه العلة التي أنتجت هذا النظام تتمتع بالعلم و الإدراك و القدرة و ليست مادة ميتة ، فثبت من خلال البرهان وجود الله و بطلت نظرية المادة

----------------------------------------------------------------------------

إلى هنا إنتهى برهان النظم ، و هو برهان سهل يسير و بحوزتنا براهين أقوى بدرجات إلا أنها تحتاج لمقدمات صعبة و قواعد منطقية لا تتوفر إلا عند الخواص من المتفقهين و أهل الإختصاص فجمال هذا البرهان هو بساطته و قبول العقول له على إختلاف مستوياتها

و في الخاتمة نحمد الله رب العالمين و نسأله - عز وجل - حسن العاقبة و قبول الأعمال و إستجابة الدعاء

» العالم الروحاني السيد مرتضى الموسوي يوصي ويقول لاتنسوا الله ولا من يحب الله ولا من يدفع عن الله
» لرؤية النبي الاعظم محمد ابن عبد الله حبيب الله وحبيب قلوبنا صلى الله عليه واله وسلم
» قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من كان في قلبه حبة خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية
» توبوا إلى الله تعالى قبل فوات الأوان 1
» قوله بنيسابور عن آبائه عن رسول الله عن الله تعالى : " .. لا إله إلا الله .. " قد دخل حصني " وقصة شجرة اللوزقصة رجل الذي أخذوه اللصوص وملأوا فاه من الثلج