بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
إن الله تعالى أراد أن نعرفه بكل ما أمرنا به , و من الأمور الرئيسية التي أرادنا أن نعرفه من خلالها هي التوكل عليه .
التوكل على الله تعالى هي حالة قلبية تجعلنا نثق بقدرته و بكرمه و رحمته و رأفته بنا , و نثق باستجابته لدعائنا , مما ينعكس على سلوكنا في الحياة حسب درجة التوكل التي وصلنا إليها .
عَنْ أَبِي الحَسَنِ الأَوَّلِ عليه السَّلام قالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)فَقَاَل"التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ دَرَجَاتٌ مِنْهَا أَنْ تَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا فَمَا فَعَلَ بِكَ كُنْتَ عَنْهُ رَاضِياً تَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَأْلُوكَ خَيْرَاً وَفَضْلاً وَتَعْلَمُ أَنَّ الحُكْمَ فِي ذلِكَ لَهُ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ بِتَفْويضِ ذلِكَ إِلَيْهِ وَثِقْ بِهِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا"(1). (1) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب التفويض إلى الله والتوكل عليه، ح 5.
و هذه بعض الأمثلة عن درجات التوكل على الله تعالى , و بالترتيب :
1 - من يتوكل على الله تعالى لا يلجأ إلى المحظورات و المحرمات للوصول إلى أهدافه أو لدرء المخاوف عنه إلا بما أحله الله تعالى , و إلا يكن كذلك فليس له أدنى نصيب من التوكل على الله تعالى .
2 - من يتوكل على الله تعالى لا يلجأ حتى إلى المكروهات من غير المحرمات , فلا تراه مثلاً يترجى و يتوسل إلى الناس و يشرك ذلك بتوسله و ترجيه إلى الله تعالى . و هذه مرتبة أعلى للتوكل على الله تعالى .
3- من يتوكل على الله تعالى لا يغضب و لا يخرج عن طوره و عن عقله مهما اشتدت عليه الظروف و المحن , لأنه واثق من رحمة الله تعالى و من لطفه .
4 – من يتوكل على الله تعالى لا يفزع و لا يهلع عند الشدائد , إذ تراه ثابتاً صلباً شجاعاً فطناً حكيماً في أصعب الظروف . لأن من يهلع و يخاف لا يستطيع أن يفكر بطريقة هادئة و حكيمة , و بالتالي تكون تصرفاته مرتبكة و هوجاء .
5- من يتوكل على الله تعالى إذا اعتمد أمراً ما بعد التعقل لا ينتابه التردد و القلق و الحيرة , بل يكون واثقاً من نصر و حفظ الله تعالى له و استجابته له , و من لطف الله تعالى به . و الثقة بنفسه أو بغيره معدومة إلا من خلال ثقته بالله تعالى بعكس ما يتصوره البعض , فهو واثق بالله تعالى وحده لا شريك له بذلك , حتى يصل إلى درجات التفويض إلى الله عزّ و جلّ و الرّضا بقضائه - و إن كان بعكس ما يريده و يرجوه و إن كان بلاءاً أو مكروهاً – وهكذا حتى يصل إلى درجات الإطمئنان , و تلك من ميزات النفس المطمئنة , و هي أعلى درجات التوكل .
- ولكل درجة من تلك الدرجات درجات في مستوى المحن و الصعوبات التي يتعرض لها المؤمن .
- و كلما كان المؤمن أكثر توكلاً على الله تعالى كان أكثر ثقة به , و بالتالي كان أكثر كرماً و إيثاراً و تضحيةً و شجاعةً و هدوءاً و اتزاناً و تركيزاً , و كلما كان الله تعالى أكثر له محبة و استجابة لدعائه ...
و أما الأخذ بالأسباب فهو ضروري لأن الله تعالى نفسه أمرنا بالأخذ بالأسباب , مثاله أنّ أعرابياً أهمل عَقل بعيره متوكّلاً على الله في حفظه ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ): ( أعقل وتوكّل ) .
إلا أن الأسباب التي يأخذ بها المتوكل على الله تعالى لا يعتبرها إلا وسيلةً أمره الله تعالى بها , و ليس له ثقة بها على الإطلاق إلا من خلال ثقته المحصورة فقط بالله تعالى , و يعرف اللهُ تعالى ذلك من نيته .
غفر الله لنا و جعلنا من المتوكلين عليه
( صلوات الله و صلوات ملائكته و أنبـــيائه و رســله و جميع خلقه على محمد و آل محمد ، و الســــــلام عليــه و عليهم و رحمة الله و بركاته )
( اللهمّ صلّ و سلم و بارك على محمد و آل محمد كما صليت و سلمت و باركت على ابراهيم و آل ابراهيم في العالمين إنك حميد مجيد )
اللهمَّ صلِّ على محمد و آل محمد و عجل فرجهم