السيد مرتضى الموسوي الروحاني رقم الجوال009647806835991
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

السيد مرتضى الموسوي الروحاني رقم الجوال009647806835991

السيد الرضوي الموسوي الروحاني للعلاج الروحاني العالم الروحاني للكشف الروحاني هاتف 07806835991
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السيد المقدس مرتضى الموسوي الروحاني المعالج الروحاني لجلب الحبيب من العراق الاتصال07806835991 ومن خارج العراق 009647806835991
السيدمرتضى الموسوي الروحاني المعالج بالقران وسنة رسوله الكريم العالم الروحاني الذي تميز عن غيره بالصدق والمنطق والعمل الصحيح المعالج الروحاني على مستوى العالم العربي والغربي العالم بالعلوم الفوق الطبيعه السيد الاجل الذي دل صدقه وكلامه على العالم بفضل الله ومنه ورحمته علينا وعليه المعالج الباب الاول لكل ما يطلب منه تجده بأذن الله ومشئيته سبحانه بين يديك ببركة الاولياء والانبياء واسرارهم
العالم الروحاني السيد الرضوي الموسوي للكشف الروحاني عن كل ما يطلب منه بأذن الله ولعلاج الحالات المرضيه الروحيه والنفسيه وفك السحر وابطاله وفتح النصيب واعمال المحبة كله من كتاب الله الكريم واسراررب العالمين تجده في الموقع الرضوي العالم الروحاني للكشف وللعلاج ولاي مقصد اتصل على الرقم اذا كنت من خارج العراق009647806835991 أومن داخل العراق07806835991 او راسلنا على الاميل الالكتروني morthadh86@yahoo.com العالم الروحاني الذي شاع صيته في البلدان بصدقه ونورعمله وعلوا مرتبته العالم الروحاني السيد الرضوي الموسوي العالم الروحاني المتواضع في العمل وتزكيته معكم الموقع الشخصي للعالم الروحاني السيد الرضوي الموسوي والله يشهد انه لمن الصادقين https://morth.forumarabia.com

 

 القسم الاول — الاخلاق العامة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الله السائر الى الله
المديرالعام للمنتدى



عدد المساهمات : 1869
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

القسم الاول — الاخلاق العامة Empty
مُساهمةموضوع: القسم الاول — الاخلاق العامة   القسم الاول — الاخلاق العامة Icon_minitimeالجمعة أغسطس 03, 2012 8:00 pm

القسم الاول — الاخلاق العامة

{ 1}

«إنَّ اللّه يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالاحسَانِ وَإيتَاءِ ذي القُربى وَينَهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمنُكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلّكُم تَذَكَّرُونَ».

( القرآن الكريم)

«الَّذيِنَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيتَّبِعُونَ أحسَنَهُ أولئكَ الذيِنَ هَدَاهُمُ اللّهُ وَأولَئِكَ هُم أولُو الألبَابِ».

(القرآن الكريم)

{ 2 }

«إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما».

(الرسول الأعظم)

«أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافا الذين يألفُون ويُؤلفَون وتُوطأ رحالهُم».

(الرسول الأعظم)



مُقدمَة الكِتَابَ

{ 3 }

بِسِم اللّهِ الرحَمنِ الرحيَمِ

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين. وبعد:

فإنّ علم الأخلاق هو: العلم الباحث في محاسن الأخلاق ومساوئها، والحث على التحلي بالأولى والتخلي عن الثانية.

ويحتل هذا العلم مكانة مرموقة، ومحلاً رفيعاً بين العلوم، لشرف موضوعه، وسمو غايته. فهو نظامها، وواسطة عقدها، ورمز فضائلها، ومظهر جمالها، إذ العلوم بأسرها منوطة بالخُلق الكريم، تزدان بجماله، وتحلو بآدابه، فإن خلت منه غدت هزيلة شوهاء، تثير السخط والتقزز.

ولا بدع فالأخلاق الفاضلة هي التي تحقق في الانسان معاني الانسانية الرفيعة، وتحيطه بهالة وضّاءة من الجمال والكمال، وشرف النفس والضمير، وسمو العزة والكرامة، كما تمسخه الأخلاق الذميمة، وتحطّه الى سويّ الهمج والوحوش.

وليس أثر الأخلاق مقصوراً على الأفراد فحسب، بل يسري الى الأمم والشعوب، حيث تعكس الأخلاق حياتها وخصائصها ومبلغ رقيها، أو تخلفها في مضمار الأمم.

وقد زخر التاريخ بأحداث وعبر دلّت على أنّ فساد الأخلاق وتفسخها كان معولاً هدّاماً في تقويض صروح الحضارات، وانهيار كثير من الدول والممالك:

{ 4}

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم*** فأقم عليهم مأتماً وعويلا

وناهيك في عظمة الأخلاق، أن النبي صلّى اللّه عليه وآله أولاها عناية كبرى، وجعلها الهدف والغاية من بعثته ورسالته، فقال:

(بعثت لاُتمّم مكازم الأخلاق ).

وهذا هو ما يهدف إليه علم الأخلاق، بما يرسمه من نظم وآداب، تهذّب ضمائر الناس وتقوّم أخلاقهم، وتوجههم الى السيرة الحميدة، والسلوك الأمثل.

وتختلف مناهج الأبحاث الخلقية وأساليبها باختلاف المعنيين بدراستها من القدامى والمحدثين: بين متّزمت غال في فلسفته الخلقية، يجعلها جافة مرهقة عسرة التطبيق والتنفيذ. وبين متحكّم فيها بأهوائه، يرسمها كما اقتضت تقاليده الخاصة، ومحيطه المحدود، ونزعاته وطباعه، مما يجردها من صفة الأصالة والكمال. وهذا ما يجعل تلك المناهج مختلفة متباينة، لا تصلح أن تكون دستوراً أخلاقياً خالداً للبشرية.

والملحوظ للباحث المقارن بين تلك المناهج أنّ أفضلها وأكملها هو: النهج الاسلامي، المستمد من القرآن الكريم، وأخلاق أهل البيت عليهم السلام، الذي ازدان بالقصد والاعتدال، وأصالة المبدأ، وسمو الغاية، وحكمة التوجيه، وحسن الملائمة لمختلف العصور والأفكار.

وهو النهج الفريد الأمثل الذي يستطيع بفضل خصائصه وميزاته أن يسمو بالناس فرداً ومجتمعاً، نحو التكامل الخُلقي، والمثل الأخلاقية العليا، بأسلوب شيق محبب، يستهوي العقول والقلوب، ويحقق لهم ذلك بأقرب

{ 5 }

وقت، وأيسر طريق.

هو منهج يمثل سموّ آداب الوحي الإلهي، وبلاغة أهل البيت عليهم السلام، وحكمتهم، وهم يسيرون على ضوئه، ويستلهمون مفاهيمه، ويستقون من معينه، ليحيلوها إلى الناس حكمة بالغة، وأدباً رفيعاً، ودروساً أخلاقية فذة، تشع بنورها وطهورها على النفس، فتزكّيها وتنيرها بمفاهيمها الخيّرة وتوجيهها الهادف البنّاء.

من أجل ذلك تعشّقت هذا النهج، وصبوت إليه، وآثرت تخطيط هذه الرسالة ورسم أبحاثها على ضوئه وهداه.

ولئن اهتدى به أناس وقصر عنه آخرون، فليس ذلك بقادح في حكمته وسمو تعاليمه، وإنما هو لاختلاف طباع الناس، ونزعاتهم في تقبّل مفاهيم التوجيه والتأديب، وانتفاعهم بها، كاختلاف المرضى في انتفاعهم بالأدوية الشافية، والعقاقير الناجعة: فمنهم المنتفع بها، ومنهم من لا تجديه نفعاً.

ومما يحز في النفس، ويبعث على الأسى والأسف البالغين، أنّ المسلمين بعد أن كانوا قادة الأمم، وروّادها إلى الفضائل، ومكارم الأخلاق، قد خسروا مثاليتهم لانحرافهم عن آداب الاسلام، وأخلاقه الفذّة، ما جعلهم في حالة مزرية من التخلف والتسيب الخلقيين. لذلك كان لزاماً علهيم - إذا ما ابتغوا العزة والكرامة وطيب السمعة - أن يستعيدوا ما أغفلوه من تراثهم الأخلاقي الضخم، وينتفعوا برصيده المذخور، ليكسبوا ثقة الناس وإعجابهم من جديد، وليكونوا كما أراد اللّه تعالى لهم: (خير أمة

{ 6 }

أخرجت للناس).

وتلك أمنية غالية، لا تُنال إلا بتظافر جهود المخلصين من أعلام الأمة الإسلامية وموجهيها، على توعية المسلمين، وحثهم على التمسك بالأخلاق الإسلامية، ونشر مفاهيمها البنّاءة والإهتمام بعرضها عرضاً شيقاً جذاباً، يغري الناس بدراستها والافادة منها.

وهذا ما حداني إلى تأليف هذا الكتاب، وتخطيطه على ضوء الخصائص التالية:

(1) إن هذا الكتاب لم يستوعب علم الأخلاق، وإنما ضمَّ أهمَّ أبحاثه، وأبلغها أثراً في حياة الناس. وقد جهدت ما استطعت في تجنب المصطلحات العلمية وألفاظها الغامضة، وعرضتها بأسلوب واضح مركّز، يُمتع القارئ، ولا يرهقه بالغموض والإطناب ، الباعثين على الملل والسأم.

(2) إختيار الأحاديث والأخبار الواردة فيه من الكتب المعتبرة والمصادر الوثيقة لدى المحدثين والرواة.

(3) الإهتمام بذكر محاسن الخلق الكريم، ومساوئ الخلق الذميم، وبيان آثارهما الروحية والمادية في حياة الفرد أو المجتمع.

والجدير بالذكر: أن المقياس الخلقي في تقييم الفضائل الخلقية، وتحديد واقعها هو: التوسط والإعتدال، المبرأ من الإفراط والتفريط.

فالخلق الرضيّ هو: ما كان وسطاً بين المغالاة والإهمال، كنقطة الدائرة من محيطها، فإذا انحرف عن الوسط الى طرف الافراط أو التفريط غدى خلقاً ذميماً.

{ 7 }

فالعفة فضيلة بين رذيلتي الشر والجمود: فإن أفرط الانسان يها كان جامداً خاملاً، معرضاً عن ضرورات الحياة ولذائذها المشروعة، وإن فرّط فيها وقصّر، كان شرهاً جشعاً، منهمكاً على اللذائذ والشهوات.

والشجاعة فضيلة بين رذيلتي التهور والجبن: فإن أفرط الشجاع فيها كان متهوراً مجازفاً فيما يحسن الاحجام عنه، وإن فرَّط وقصّر كان جباناً هيّاباً محجماً عمّا يحسن الاقدام عليه.

والسخاء فضيلة بين رذيلتي التبذير والبخل: فإن أفرط فيها كان مسرفاً مبذراً سخياً على من لا يستحق البذل والسخاء، وإن فرّط فيها وقصر كان شحيحاً بخيلاً فيما يجدر الجود والسخاء فيه... وهكذا دواليك.

من أجل ذلك كان كسب الفضائل، والتحلّي بها، والثبات عليها، من الأهداف السامية التي يتبارى فيها، ويتنافس عليها، ذوو النفوس الكبيرة، والهمم العالية، ولاينالها إلا ذو خظ عظيم.

ولم أرَ أمثال الرجال تفاوتاً*** لدى المجد حتى عُد ألف بواحد

وإني لأرجو اللّه عز وجل أن يتقبل مني هذا المجهود المتواضع ويثيبني عليه، بلطفه الواسع، وكرمه الجزيل، وأن يوفقني وإخواني المؤمنين للانتفاع به، والسير على ضوئه، إنّه وليّ الهداية والتوفيق.

الكاظمية مهدي السيد علي اللصدر

{ 8}

حسن الخلق

حسن الخلق هو: حالة تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة، كما عرّفه الامام الصادق عليه السلام حينما سُئل عن حدّه فقال: «تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن»(1).

من الأماني والآمال التي يطمح اليها كل عاقل حصيف، ويسعى جاهداً في كسبها وتحقيقها، أن يكون ذا شخصية جذّابة، ومكانة مرموقة، محبباً لدى الناس، عزيزاً عليهم.

وإنها لأمنية غالية، وهدف سامي، لا يناله إلا ذوو الفضائل والخصائص التي تؤهلهم كفاءاتهم لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة.

بيد أن جمبيع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والاكبار، وسمو المنزلة، ورفعة الشأن، الا إذا اقترنت بحسن الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضّاء. فإذا ما تجردت منه فقدت قيمها الأصيلة، وغدت صوراً شوهاء تثير السأم والتذمر.

_____________________

(1) الكافي للكليني.

{ 9 }

لذلك كان حسن الخلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحور فلكها، واكثرها إعداداً وتأهيلاً لكسب المحامد والأمجاد، ونيل المحبة والاعزاز.

أنظر كيف يمجد أهل البيت عليهم السلام هذا الخلق الكريم، ويطرون المتحلين به إطراءاً رائعاً، ويحثون على التمسك به بمختلف الأساليب التوجيهية المشوقة، كما تصوره النصوص التالية:

قال النبي صلى اللّه عليه وآله: «أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم»(1).

وقال الباقر عليه السلام: «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً»(2).

وقال الصادق عليه السلام: «ما يقدم المؤمن على اللّه تعالى بعمل بعد الفرائض، أحبّ الى اللّه تعالى من أن يسع الناس بخلقه»(3).

وقال عليه السلام: «إن اللّه تعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق، كما يعطي المجاهد في سبيل اللّه، يغدو عليه و يروح»(4).

وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم»(5).

وقال الصادق عليه السلام: «إن الخلق الحسن يميت الخطيئة، كما تميت الشمس الجليد»(6).

وقال عليه السلام: «البر وحسن الخلق يعمران الديار، ويزيدان

_____________________

(1) الكافي. والأكناف جمع كنف، وهو: الناحية والجانب، ويقال «رجل موطأ الاكناف» أي كريم مضياف.

(2)، (3)، (4)، (5)، (6) عن الكافي.

{ 10 }

في الأعمار»(1).

وقال عليه السلام: «إن شئت أن تُكرمَ فَلِن، وإن شئت أن تُهان فاخشن»(2).

وقال النبي صلّى اللّه عليه وآله: «إنكم لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم»(3).

وكفى بحسن الخلق شرفاً وفضلاً، أن اللّه عز وجل لم يبعث رسله وأنبياءه الى الناس إلا بعد أن حلاّهم بهذه السجية الكريمة، وزانهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان شخصياتهم.

ولقد كان سيد المرسلين صلى اللّه عليه وآله المثل الأعلى في حسن الخلق، وغيره من كرائم الفضائل والخِلال. واستطاع بأخلاقه المثالية أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء اللّه تعالى عليه بقوله عز من قائل: (وإنّك لعلى خلق عظيم).

قال أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو يصور أخلاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «كان أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة. من رآه بديهة هابه. ومن خالطه فعرفه أحبّه، لم أرَ مثله قبله ولا بعده»(4).

_____________________

(1) عن الكافي.

(2) تحف العقول.

(3) من لا يحضره الفقيه.

(4) سفينة البحار - مادة خلق - .

{ 14 }

وحسبنا أن نذكر ما أصابه من قريش، فقد تألبت عليه، وجرّعته ألوان الغصص، حتى اضطرته الى مغادرة أهله وبلاده، فلما نصره اللّه عليهم، وأظفره بهم، لم يشكّوا أنّه سيثأر منهم، وينكّل بهم، فما زاد أن قال لهم: ما تقولون إني فاعل بكم؟! قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.

وجاء عن أنس قال: كنت مع النبي صلى اللّه عليه وآله، وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة، حتى أثرت حاشية البُرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد إحمل لي علي بعيريّ هذين من مال اللّه الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا مال أبيك. فكست النبي صلى اللّه عليه وآله ثم قال: المال مال اللّه، وأنا عبده. ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟! قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لانّك لا تكافئ بالسيئة السيئة. فضحك النبي، ثم أمر أن يحمل له على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً(1).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن يهوديّاً كان له على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله دنانير، فتقاضاه، فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك. فقال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني. فقال: إذن أجلس معك، فجلس معه حتى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول اللّه يتهدودنه

_____________________

(1) سفينة البحار - مادة خلق - .

{ 11 }

ويتواعدونه، فنظر رسول اللّه إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟! فقالوا: يا رسول اللّه يهودي يحبسك! فقال: لم يبعثني ربي عز وجل بأن أظلم معاهداً ولا غيره. فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل اللّه، أما واللّه ما فعلت بك الذي فعلت، إلا لأنظر الى نعتك في التوراة، فاني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد اللّه، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ، ولا سخّاب، ولا متزين بالفحش، ولاقول الخنا، وأنا أشهد أن لا إله الا اللّه، وأنّك رسول اللّه، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل اللّه، وكان اليهودي كثير المال(1).

وهكذا كان الأئمة المعصومون من أهل البيت عليهم السلام في مكارم أخلاقهم، وسمو آدابهم. وقد حمل الرواة إلينا صوراً رائعة ودروساً خالدة من سيرتهم المثالية، وأخلاقهم الفذة:

من ذلك ما ورد عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال: ورد على أمير المؤمنين عليه السلام أخوان له مؤمنان، أب وابن، فقام اليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين يديهما، ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست وابريق خشب ومنديل، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الابريق فغسل يد الرجل بعد أن كان الرجل يمتنع من ذلك، وتمرغ في التراب، وأقسمه أمير المؤمنين عليه السلام أن يغسل مطمئناً، كما كان يغسل لو كان الصابّ عليه قنبر ففعل، ثمن ناول الابريق محمد بن

_____________________

(1) البحار م 6 في مكارم اخلاق النبي صلى اللّه عليه وآله.

{12 }

الحنفية وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكن اللّه عزوجل يأبى أن يُسوي بين ابن وأبيه، إذا جمعهما مكان، ولكن قد صب الأب على الأب، فليصب الابن على الابن، فصب محمد بن الحنفية على الابن.

ثم قال العسكري عليه السلام: فمن اتبع علياً على ذلك فهو الشيعي حقاً(1).

وورد أن الحسن والحسين مرّا على شيخ يتوضأ ولا يُحسن، فأخذا في التنازع، يقول كل واحد منهما أنت لا تحسن الوضوء ، فقالا: أيّها الشيخ كن حَكَماً بيننا، يتوضأ كل واحد منّا، فتوضئا ثم قالا: أيّنا يحسن؟ قال: كلاكما تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن، وقد تعلّم الآن منكما، وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدّكما(2).

وجنى غلام للحسين عليه السلام جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي والكاظمين الغيظ. قال: خلّوا عنه. فقال: يا مولاي والعافين عن الناس. قال: قد عفوت عنك. قال: يا مولاي واللّه يحب المحسنين. قال: أنت حرّ لوجه اللّه، ولك ضعف ما كنت أعطيك(3).

_____________________

(1) سفينة البحار - مادة وضع - .

(2) البحار م 10 عن عيون المحاسن ص 89.

(3) البحار م 10 ص 145 عن كشف الغمة.

{ 13 }

وحدّث الصولي: أنه جري بين الحسين وبين محمد بن الحنفية كلام، فكتب ابن الحنفية الى الحسين: «أما بعد يا أخي فإن أبي وأباك علي لا تفضلني فيه ولا أفضلك، وأمّك فاطمة بنت رسول اللّه، لو كان ملء الأرض ذهباً ملك امّي ما وفت بامّك، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ
حتى تترضاني، فانك أحق بالفضل مني، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته» ففعل الحسين فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء(1).

وعن محمد بن جعفر وغيره قالوا: وقف على علي بن الحسين عليه السلام رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه، فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: لقد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي اليه حتى تسمعوا مني ردّي عليه.

فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحب أن يقول له ويقول. فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس واللّه يحب المحسنين»، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً.

قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل، فصرخ به، فقال: قولوا له هذا علي بن الحسين. قال: فخرج متوثباً للشر، وهو لا يشكّ أنّه إنما جاء مكافئاً له على بعض ما كان منه.

فقال له علي بن الحسين: يا أخي إنّك وقفت عليّ آنفاً وقلت وقلت فإن كنت قلت ما في فأستغفر اللّه منه، وإن كنت قلت ما ليس فيّ فغفر اللّه لك. قال: فقبّل الرجل بين عينيه، وقال: بل قلت فيك

_____________________

(1) البحار م 10 ص 144 عن مناقب ابن شهرآشوب.

{ 14 }

ما ليس فيك وأنا أحق به(1).

وليس شيء أدل على شرف حسن الخلق، وعظيم أثره في سمو الانسان واسعاده، من الحديث التالي:

عن علي بن الحسين عليه السلام قال: ثلاثة نفر آلوا باللات والعزى ليقتلوا محمداً صلى اللّه عليه وآله، فذهب أمير المؤمنين وحده اليهم وقتل واحداً منهم وجاء بآخرين، فقال النبي: قدّم اليّ أحد الرجلين، فقدّمه فقال: قل لا إله الا اللّه، واشهد أني رسول اللّه. فقال: لنقل جبل أبي قبيس أحبّ إلي من أن أقول هذه الكلمة،. قال: يا علي أخره واضرب عنقه. ثم قال: قدم الآخر، فقال: قل لا إله إلا اللّه، واشهد أني رسول اللّه. قال: ألحقني بصاحبي. قال: يا علي أخره واضرب عنقه. فأخره وقام أمير المؤمنين ليضرب عنقه فنزل جبرئيل على النبي صلى اللّه عليه وآله فقال: يا محمد إنّ ربك يقرئك السلام، ويقول لا تقتله فانه حسن الخلق سخي في قومه. فقال النبي صلى اللّه عليه وآله: يا علي أمسك، فان هذا رسول ربي يخبرني أنّه حسن الخلق سخيّ في قومه. فقال المشرك تحت السيف: هذا رسول ربك يخبرك؟ قال: نعم. قال: واللّه ما ملكت درهماً مع أخ لي قط، ولا قطبت وجهي في الحرب، فأنا أشهد أن لا اله إلا اللّه، وأنك رسول اللّه. فقال رسول اللّه: هذا ممن جرّه حسن خلقه وسخائه الى جنات النعيم(2).

_____________________

(1) البحار م 11 ص 17 عن إعلام الورى وإرشاد المفيد.

(2) البحار م 15 ج 2 ص 210 في حسن الخلق.

{ 15 }

سوء الخلق:

وهو: انحراف نفساني، يسبب انقباض الانسان وغلظته وشراسته، ونقيض حسن الخلق.

من الثابت أن لسوء الخلق آثاراً سيئة، ونتائج خطيرة، في تشويه المتصف به، وحط كرامته، ما يجعله عرضة للمقت والإزدراء، وهدفاً للنقد والذم.

وربما تفاقمت أعراضه ومضاعفاته، فيكون حينذاك سبباً لمختلف المآسي والأزمات الجسمية والنفسية المادية والروحية.

وحسبك في خسة هذا الخلق وسوء آثاره، أن اللّه تعالى خاطب سيد رسله، وخاتم أنبيائه، وهو المثل الأعلى في جميع الفضائل والمكرمات قائلاً: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك».

من أجل ذلك فقد تساند العقل والنقل على ذمه والتحذير منه، وإليك طرفاً من ذلك:

قال النبي صلى اللّه عليه وآله: «عليكم بحسن الخلق، فانّ حسن الخلق في الجنة لامحالة، وإياكم وسوء الخلق، فان سوء الخلق في النار لا محالة»(1).

وقال الصادق عليه السلام: «إن شئت أن تُكرم فلن، وأن شئت

_____________________

(1) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق (ره).

{ 16 }

أن تهان فاخشن»(1).

وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «أبى اللّه لصاحب الخلق السيئ بالتوبة، قيل: فكيف ذلك يا رسول اللّه؟ قال: لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه»(2).

وقال الصادق عليه السلام: «إنّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يُفسد الخل العسل»(3).

وقال عليه السلام: «من ساء خلقه عذّب نفسه»(4).

الأخلاق بين الإستقامة والإنحراف:

كما نمرض الأجساد وتعروها أعراض المرض من شحوب وهزال وضعف، كذلك تمرض الأخلاق، وتبدو عليها سمات الاعتدال ومضاعفاته، في صور من الهزال الخلقي، والانهيار النفسي، على اختلاف في أبعاد المرض ودرجات أعراضه الطارئة على الأجسام والأخلاق.

وكما تعالج الأجسام المريضة، وتسترد صحتها ونشاطها، كذلك تعالج الأخلاق المريضة وتستأنف اعتدالها واستقامتها، متفاوتة في ذلك حسب اعراضها، وطباع ذويها، كالأجسام سواء بسواء.

ولولا إمكان معالجة الأخلاق وتقويمها، لحبطت جهود الأنبياء في تهذيب الناس، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح، وغدا البشر من جراء

_____________________

(1) تحف العقول.

(2)، (3)، (4) عن الكافي.

{17 }

ذلك كالحيوان وأخس قيمة، وأسوأ حالاً منه، حيث أمكن ترويضه، وتطوير أخلاقه، فالفرس الجموح يغدو بالترويض سلس المقاد، والبهائم الوحشية تعود داجنة أليفة.

فكيف لا يجدي ذلك في تهذيب الانسان، وتقويم أخلاقه، وهو أشرف الخلق، وأسماهم كفاءة وعقلاً؟؟

من أجل ذلك فقد تمرض أخلاق الوادع الخَلُوق، ويغدو عبوساً شرساً منحرفاً عن مثاليته الخلقية، لحدوث إحدى الأسباب التالية:

(1) - الوهن والضعف الناجمان عن مرض الانسان واعتدال صحته، أو طرو أعراض الهرم والشيخوخة عليه، مما يجعله مرهف الأعصاب عاجزاً عن التصبر، واحتمال مؤون الناس ومداراتهم.

(2) - الهموم: فإنّها تذهل اللبيب الخلوق، وتحرفه عن أخلاقه الكريمة، وطبعه الوادع.

(3) - الفقر: فانه قد يسبب تجهم الفقير وغلظته، أنَفَةً من هوان الفقر وألم الحرمان، أو حزناً على زوال نعمته السالفة، وفقد غناه.

(4) - الغنى: فكثيراً ما يجمح بصاحبه نحو الزهو والتيه والكبر والطغيان، كما قال الشاعر:

لقد كشف الإثراء عنك خلائقاً***من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر

(5) - المنصب: فقد يُحدث تنمراً في الخُلق، وتطاولاً على الناس، منبعثاً عن ضعة النفس وضعفها، أو لؤم الطبع وخسته.

(6) - العزلة والتزمت: فانه قد يسبب شعوراً بالخيبة والهوان، مما يجعل المعزول عبوساً متجهماً.

{ 18}

علاج سوء الخلق:

وحيث كان سوء الخلق من أسوأ الخصال وأخس الصفات، فجدير بمن يرغب في تهذيب نفسه، وتطهير أخلاقه، من هذا الخلق الذميم، أن يتبع النصائح التالية:

(1) - أن يتذكر مساوئ سوء الخلق وأضراره الفادحة، وأنّه باعث على سخط اللّه تعالى، وازدراء الناس ونفرتهم، على ما شرحناه في مطلع هذا البحث.

(2) - أن يستعرض ما أسلفناه من فضائل حسن الخلق، ومآثره الجليلة، وما ورد في مدحه، والحث عليه، من آثار أهل البيت عليهم السلام.

(3) - التريض على ضبط الأعصاب، وقمع نزوات الخلق السيّئ وبوادره، وذلك بالترّيث في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، مستهدياً بقول الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله: «أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه». يتبّع تلك النصائح من اعتلت أخلاقه، ومرضت بدوافع نفسية، أو خلقية. أما من ساء خلقه بأسباب مرضية جسمية، فعلاجه بالوسائل الطيبة، وتقوية الصحة العامة، وتوفير دواعي الراحة والطمأنينة، وهدوء الأعصاب.



الصدق

وهو: مطابقة القول للواقع، وهو أشرف الفضائل النفسية، والمزايا الخلقية، لخصائصه الجليلة، وآثاره الهامة في حياة الفرد والمجتمع.

فهو زينة الحديث ورواؤه، ورمز الاستقامة والصلاح، وسبب النجاح والنجاة، لذلك مجّدته الشريعة الاسلامية، وحرضت عليه، قرآناً وسنةّ.

قال تعالى: «والذي جاء بالصدق وصدّق به أولئك هم المتقون، لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك جزاء المحسنين». (الزمر: 33 - 34)

وقال تعالى: «هذا يومُ ينفع الصادقين صدقهم، لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبداً». (المائدة: 119 )

وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه، وكونوا مع الصادقين».

(التوبة: 119)

وهكذا كرَّم أهلُ البيت عليهم السلام هذا الخلق الرفيع، ودعوا إليه بأساليبهم البليغة الحكيمة:

قال الصادق عليه السلام: «لا تغتروا بصلاتهم، ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن إختبروهم عند صدق الحديث، وأداء الأمانة»(1).

_____________________

(1) الكافي.

{ 20 }

وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «زينة الحديث الصدق»(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إلزموا الصدق فإنّه منجاة»(2).

وقال الصادق عليه السلام: «من صدق لسانه زكى عمله»(3).

أي صار عمله ببركة الصدق زاكياً نامياً في الثواب، لأنّ اللّه تعالى «إنّما يقبل من المتقين» والصدق من أبرز خصائص التقوى وأهم شرائطه.

مآثر الصدق:

من ضرورات الحياة الاجتماعية، ومقوماتها الأصلية هي:

شيوع التفاهم والتآزر بين عناصر المجتمع وأفراده، ليستطيعوا بذلك النهوض بأعباء الحياة، وتحقيق غاياتها وأهدافها، ومن تم ليسعدوا بحياة كريمة هانئة، وتعايش سلمي.

وتلك غايات سامية، لا تتحقق إلا بالتفاهم الصحيح، والتعاون الوثيق، وتبادل الثقة والائتمان بين أولئك الأفراد.

وبديهي أنّ اللسان هو أداة التفاهم، ومنطلق المعاني والأفكار، والترجمان المفسر عمّا يدور في خلَد الناس من مختلف المفاهيم والغايات، فهو يلعب دوراً خطيراً في حياة المجتمع، وتجاوب مشاعره وأفكاره.

_____________________

(1) الامامة والتبصرة.

(2) كمال الدين للصدوق.

(3) الكافي.

{ 21 }

وعلى صدقه أو كذبه ترتكز سعادة المجتمع أو شقاؤه، فإن كان اللسان صادق اللهجة، أميناً في ترجمة خوالج النفس وأغراضها، ادىّ رسالة التفاهم والتواثق، وكان زائد خير، ورسول محبة وسلام.

وإن كان متصفاً بالخداع والتزوير، وخيانة الترجمة والاعراب، غدا رائد شر، ومدعاة تناكر وتباغض بين أفراد المجتمع، ومعول هَدمٍ في كيانه.

من أجل ذلك كان الصدق من ضرورات المجتمع، وحاجاته الملحة، وكانت له آثاره وانعكاساته في حياة الناس.

فهو نظام المجتمع السعيد، ورمز خلقه الرفيع، ودليل استقامة أفراده ونبلهم، والباعث القويّ على طيب السمعة، وحسن الثناء والتقدير، وكسب الثقة والائتمان من الناس.

كما له آثاره ومعطياته في توفير الوقت الثمين، وكسب الراحة الجسمية والنفسية.

فإذا صدق المتبايعون في مبايعاتهم، ارتاحوا جميعاً من عناء المماكسة، وضياع الوقت الثمين في نشدان الواقع، وتحري الصدق.

وإذا تواطأ أرباب الأعمال والوظائف على التزام الصدق، كان ذلك ضماناً لصيانة حقوق الناس، واستتباب أمنهم ورخائهم.

وإذا تحلى كافة الناس بالصدق، ودرجوا عليه، أحرزوا منافعه الجمّة، ومغانمه الجليلة.

وإذا شاع الكذب في المجتمع، وهت قيمُه الأخلاقية، وساد التبرم

{ 22 }

والسخط بين أفراده، وعزَّ فيه التفاهم والتعاون، وغدا عرضة للتبعثر والانهيار.

أقسام الصدق:

للصدق صور وأقسام تتجلى في الأقوال والأفعال، واليك أبرزها:

(1) - الصدق في الأقوال، وهو: الإخبار عن الشيء على حقيقته من غير تزوير وتمويه.

(2) - الصدق في الأفعال، وهو: مطابقة القول للفعل، كالبر بالقسم، والوفاء بالعهد والوعد.

(3) - الصدق في العزم، وهو: التصميم على أفعال الخير، فإن أنجزها كان صادق العزم، وإلا كان كاذبه.

(4) - الصدق في النيّة، وهو: تطهيرها من شوائب الرياء، والاخلاص بها الى اللّه تعالى وحده.



الكذب

وهو: مخالفة القول للواقع. وهو من أبشع العيوب والجرائم، ومصدر الآثام والشرور، وداعية الفضيحة والسقوط. لذلك حرمته الشريعة الإسلامية، ونعت على المتصفين به، وتوعّدتهم في الكتاب والسنة:

قال تعالى: «إنّ اللّه لايهدي من هو مسرف كذّاب»

(غافر: 28)

وقال تعالى: «ويل لكل أفاك أثيم»

(الجاثية: 7)

وقال تعالى: «إنما يفتري الكَذِبَ الذين لا يؤمنون بآيات اللّه، وأولئك هم الكاذبون»)

(النحل:105)

وقال الباقر عليه السلام: «إنَّ اللّه جعل للشر أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شرّ من الشراب» (1).

وقال عليه السلام: «كان علي بن الحسين يقول لولده: إتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جدّ وهرل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير، إجترأ على الكبير، أما علمتم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه اللّه صديّقاً، وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه اللّه كذّاباً»(2).

_____________________

(1)، (2) الكافي.

{ 23 }

وقال الباقر عليه السلام: «إنّ الكذب هو خراب الايمان»(1).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «إعتياد الكذب يورث الفقر»(2).

وقال عيسى بن مريم عليه السلام: «من كثر كذبه ذهب بهاؤه»(3).

وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في حجة الوداع: «قد كثرت عليَّ الكذّابة وستكثر، فمن كذب عليَّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب اللّه وسنتي، فما وافق كتاب اللّه فخذوا به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به»(4).

مساوئ الكذب:

وإنما حرمت الشريعة الاسلامية (الكذب) وأنذرت عليه بالهوان والعقاب، لما ينطوي عليه من أضرار خطيرة، ومساوئ جمّة، فهو:

(1) - باعث على سوء السمعة، وسقوط الكرامة، وانعدام الوثاقة، فلا يُصدق الكذاب وإن نطق بالصدق، ولا تقبل شهادته، ولا يوثق بمواعيده وعهوده.

ومن خصائصه أنّه ينسى أكاذيبه ويختلق ما يخالفها، وربما لفق

_____________________

(1) الكافي.

(2) الخصال للصدوق.

(3) الكافي.

(4) احتجاج الطبرسي.

{ 29 }

الأكاذيب العديدة المتناقضة، دعماً لكذبة افتراها، فتغدو أحاديثه هذراً مقيتاً، ولغواً فاضحاً.

(2) - إنه يضعف ثقة الناس بعضهم ببعض، ويشيع فيهم أحاسيس التوجس والتناكر.

(3) - إنه باعث على تضييع الوقت والجهد الثمينين، لتمييز الواقع من المزيف، والصدق من الكذب.

(4) - وله فوق ذلك آثار روحية سيئة، ومغبة خطيرة، نوهت عنها النصوص السالفة.

دواعي الكذب:

الكذب انحراف خلقي له أسبابه ودواعيه، أهمها:

(1) - العادة: فقد يعتاد المرء على ممارسة الكذب بدافع الجهل، أو التأثر بالمحيط المتخلف، أو لضعف الوازع الديني، فيشبّ على هذه العادة السيئة، وتمتد جذورها في نفسه، لذلك قال بعض الحكماء: «من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه».

(2) - الطمع: وهو من أقوى الدوافع على الكذب والتزوير، تحقيقاً لأطماع الكذّاب، وإشباعاً لنهمه.

(3) - العداء والحسد: فطالما سوّلا لأربابهما تلفيق التهم، وتزويق الافتراءات والأكاذيب، على من يعادونه أو يحسدونه. وقد عانى الصلحاء

{ 30 }

والنبلاء الذين يترفعون عن الخوض في الباطل، ومقابلة الاساءة بمثلها - كثيراً من مآسي التهم والافتراءات والأراجيف.

انواع الكذب:

للكذب صور شوهاء، تتفاوت بشاعتها باختلاف أضرارها وآثارها السيئة، وهي:

(الاولى - اليمين الكاذبة)

وهي من أبشع صور الكذب، وأشدّها خطراً وإثماً، فإنّها جناية مزدوجة: جرأة صارخة على المولى عز وجل بالحلف به كذباً وبهتاناً، وجريمة نكراء تمحق الحقوق وتهدر الكرامات.

من أجل ذلك جاءت النصوص في ذمها والتحذير منها:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «إيّاكم واليمين الفاجرة، فإنها تدع الديار من أهلها بلاقع»(1).

وقال الصادق عليه السلام: «اليمين الصُّبْر الكاذبة، تورث العقب الفقر»(2).

(الثانية - شهادة الزور)

وهي كسابقتها جريمة خطيرة ، وظلم سافر هدّام، تبعث على غمط الحقوق، واستلاب الأموال، وإشاعة الفوضى في المجتمع، بمساندة

_____________________

(1)، (2) الكافي.

{ 31 }

المجرمين على جرائم التدليس والابتزاز.

أنظر كيف تنذر النصوص شهود الزور بالعقاب الأليم:

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «لا ينقضي كلام شاهد الزور من بين يدي الحاكم حتى يتبوأ مقعده من الناس، وكذلك من كتم الشهادة»(1).

ونهى القرآن الكريم عنها فقال تعالى: «واجتنبوا قول الزور»

(الحج: 24 )

اضرار اليمين الكاذبة وشهادة الزور:

وإنما حرمت الشريعة الاسلامية اليمين الكاذبة، وشهادة الزور، وتوعدت عليهما بصنوف الوعيد والارهاب، لآثارهما السيئة، وأضرارهما الماحقة، في دين الانسان ودنياه، من ذلك:

(1) - أن مقترف اليمين الكاذبة، وشهادة الزور، يسيء الى نفسه إساءة كبرى بتعريضها الى سخط اللّه تعالى، وعقوباته التي صورتها النصوص السالفة.

(2) - ويسيء كذلك الى من سانده ومالأه، بالحلف كذباً، والشهادة زوراً ، حيث شجّعه على بخس حقوق الناس، وابتزاز أموالهم، وهدر كراماتهم.

_____________________

(1) الكافي ومن لا يحضره الفقيه.

{ 25 }

(3) - و يسيء كذلك الى من اختلق عليه اليمين والشهادة المزورتين، بخذلانه وإضاعة حقوقه، وإسقاط معنوياته.

(4) - ويسيء الى المجتمع عامة بإشاعة الفوضى والفساد فيه، وتحطيم قيمه الدينية والأخلاقية.

(5) - ويسيء الى الشريعة الاسلامية بتحدّيها، ومخالفة دستورها المقدس، الذي يجب اتباعه وتطبيقه على كل مسلم.

(الثالثة - خلف الوعد)

الوفاء بالوعد من الخلال الكريمة التي يزدان بها العقلاء، ويتحلى بها النبلاء، وقد نوّه اللّه عنها في كتابه الكريم فقال: «واذكر في الكتاب اسماعل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً» (مريم: 54)

ذلك أنّ إسماعيل عليه السلام وعد رجلاً، فمكث في انتظاره سنة كاملة، في مكان لا يبارحه، وفاءاً بوعده.

وإنه لمن المؤسف أن يشيع خلف الوعد بين المسلمين اليوم، متجاهلين نتائجه السيئة في إضعاف الثقة المتبادلة بينهم، وإفساد العلاقات الاجتماعية، والاضرار بالمصالح العامة.

قال الصادق عليه السلام: «عِدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن أخلف فبخلف اللّه تعالى بدأ، ولمقته تعرض، وذلك قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون«(1).

_____________________

(1) الكافي.

{ 33 }

وقال عليه السلام: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعد رجلاً الى صخرة فقال: أنا لك هاهنا حتى تأتي. قال: فاشتدت الشمس عليه، فقال أصحابه: يا رسول اللّه لو أنّك تحولت الى الظل. فقال: قد وعدته الى هاهنا، وإن لم يجئ كان منه الى المحشر»(1).

(الرابعة - الكذب الساخر)

فقد يستحلي البعض تلفيق الأكاذيب الساخرة، للتندّر على الناس، والسخرية بهم، وهو لهو عابث خطير، ينتج الأحقاد والآثام.

قال الصادق عليه السلام، «من روى على مؤمن رواية، يريد بها شينه، وهدم مروتّه ليسقط من أعين الناس، أخرجه اللّه تعالى من ولايته الى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان»(2).

علاج الكذب:

فجدير بالعاقل أن يعالج نفسه من هذا المرض الأخلاقي الخطير، والخُلُق الذميم، مستهدياً بالنصائح التالية:

(1) - أن يتدبر ما أسلفناه من مساوئ الكذب، وسوء آثاره المادية والأدبية على الانسان.

(2) - أن يستعرض فضائل الصدق ومآثره الجليلة، التي نوّهنا

_____________________

(1) علل الشرئع.

(2) الكافي.

{ 34 }

عنها في بحث الصدق.

(3) - أن يرتاض على التزام الصدق، ومجانبة الكذب، والدأب المتواصل على ممارسة هذه الرياضة النفسية، حتى يبرأ من هذا الخلق الماحق الذميم.

مسوغات الكذب:

لا شك أنّ الكذب رذيلة مقيتة حرمها الشرع، لمساوئها الجمة، بيد أنّ هناك ظروفاً طارئة تبيح الكذب وتسوغه، وذلك فيما إذا توقفت عليه مصلحة هامة، لا تتحقق إلا به، فقد أجازته الشريعة الاسلامية حينذاك، كانقاذ المسلم، وتخليصه من القتل أو الأسر، أو صيانة عرضه وكرامته، أو حفظ ماله المحترم، فانّ الكذب والحالة هذه واجب اسلامي محتم.

وهكذا إذا كان الكذب وسيلة لتحقيق غاية راجحة، وهدف إصلاحي، فإنه آنذاك راجح أو مباح، كالاصلاح بين الناس، أو استرضاء الزوجة واستمالتها، أو مخادعة الأعداء في الحروب.

وقد صرحت النصوص بتسويغ الكذب للأغراض السالفة.

قال الصادق عليه السلام: «كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلا في ثلاثة: رجل كايد في حربه فهو موضوع عنه، أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى هذا يريد بذلك الاصلاح فيما بينهما، أو رجل وعد أهله شيئاً وهو لا يريد أن يتم لهم»(1).

_____________________

(1) الكافي.



الحلم وكظم الغيظ

وهما: ضبط النفس أزاء مثيرات الغصب، وهما من أشرف السجايا، وأعز الخصال، ودليلا سمو النفس، وكرم الأخلاق، وسببا المودة والاعزاز.

وقد مدح اللّه الحلماء والكاظمين الغيظ، وأثنى عليهم في محكم كتابه الكريم.

فقال تعالى: «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً» (الفرقان: 63)

وقال تعالى: «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقّاها الا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم» (فصلت: 34 - 35)

وقال تعالى: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس واللّه يحب المحسنين» (آل عمران: 134)

وعلى هذا النسق جاءت توجيهات أهل البيت عليهم السلام:

قال الباقر عليه السلام: «إنّ اللّه عز وجل يحب الحييّ الحليم»(1).

وسمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً يشتم قنبراً، وقد رام قنبر أن يردّ عليه، فناداه أمير المؤمنين عليه السلام: مهلاً يا قنبر، دع شاتمك، مُهانا، ترضي الرحمن، وتسخط الشيطان، وتعاقب عودك، فوالذي فلق

_____________________

(1) الكافي.

{ 26 }

الحبة وبرأ النسمة، ما أرضى المؤمن ربه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه»(1).

وقال عليه السلام: «أول عوض الحليم من حلمه، أن الناس أنصاره على الجاهل»(2).

وقال الصادق عليه السلام: «إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان، فيقولان للسفيه منهما: قلت وقلت، وأنت أهل لما قلت، ستُجزى بما قلت. ويقولان للحليم منهما: صبرت وحلمت، سيغفر اللّه لك، إن أتممت ذلك. قال: فإن رد عليه ارتفع الملكان»(3).

وقال الصادق عليه السلام: «ما من عبد كظم غيظاً، إلا زاده اللّه عز وجل عزّاً في الدنيا والآخرة، وقد قال اللّه عز وجل: «والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، واللّه يحب المحسنين» وأثابه مكانه غيظه ذلك»(4).

وقال الامام موسى بن جعفر عليه السلام: «إصبر على أعداء النعم، فانك لن تكافئ من عصى الله فيك، بأفضل من أن تطيع اللّه فيه»(5).

وأحضر عليه السلام ولده يوماً فقال لهم: «يا بَنِيّ إني موصيكم بوصية، فمن حفظها لم يضع معها، إن أتاكم آت فأسمعكم في الاذن اليمنى مكروهاً، ثم تحوّل الى الاذن اليسرى فاعتذر وقال: لم أقل شيئاً

_____________________

(1) مجالس الشيخ المفيد.

(2) نهج البلاغة.

(3)، (4)، (5) الكافي.

{ 27 }

فاقبلوا عذره»(1).

وقد يحسب السفهاء أن الحلم من دلائل الضعف، ودواعي الهوان، ولكنّ العقلاء يرونه من سمات النبل، وسمو الخلق، ودواعي العزة والكرامة.

فكلما عظم الإنسان قدراً، كرمت أخلاقه، وسمت نفسه، عن مجاراة السفهاء في جهالتهم وطيشهم، معتصماً بالحلم وكرم الاغضاء، وحسن العفو، ما يجعله مثار الاكبار والثناء.

كما قيل:

وذي سفه يخاطبني بجهل*** فآنف أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهةً وأزيد حلماً*** كعودٍ زاده الاحراق طيبا

ويقال: إنَّ رجلاً شتم أحد الحكماء، فأمسك عنه، فقيل له في ذلك قال: «لا أدخل حرباً الغالب فيها أشرّ من المغلوب».

ومن أروع ما نظمه الشعراء في مدح الحلم، مارواه الامام الرضا عليه السلام، حين قال له المأمون: أنشدني أحسن ما رويت في الحلم، فقال عليه السلام:

إذا كان دوني من بليت بجهله*** أبيت لنفسي أن تقابل بالجهل

وإن كان مثلي في محلي من النهى*** أخذت بحلمي كي أجلّ عن المثل

وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجى*** عرفت له حق التقدم والفضل

فقال له المأمون: ما أحسن هذا، هذا من قاله؟ فقال: بعض فتياننا(2).

_____________________

(1) كشف الغمة للأربلي.

(2) معاني الأخبار، وعيون اخبار الرضا للشيخ الصدوق.

{ 28 }

ولقد كان الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله والأئمة الطاهرون من أهل بيته، المثل الأعلى في الحلم، وجميل الصفح، وحسن التجاوز.

وقد زجزت أسفار السير والمناقب، بالفيض الغمر منها، واليك نموذجاً من ذلك:

قال الباقر عليه السلام: «إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أتى باليهودية التي سمت الشاة للنبي، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت إن كان نبياً لم يضره، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، فعفى رسول اللّه عنها»(1).

وعفى صلى اللّه عليه وآله عن جماعة كثيرة، بعد أن أباح دمهم، وأمر بقتلهم.

منهم: هبّار بن الأسود بن المطلب، وهو الذي روّع زينب بنت رسول اللّه، فألقت ذا بطنها، فأباح رسول اللّه دمه لذلك، فروي أنّه اعتذر الى النبي صلّى اللّه عليه وآله من سوء فعله، وقال: وكنا يا نبي اللّه أهل شرك، فهدانا اللّه بك، وأنقذنا بك من الهلكة، فاصفح عن جهلي، وعما كان يبلغك عني، فاني مقرّ بسوء فعلي، معترف بذنبي. فقال صلّى اللّه عليه وآله: قد عفوت عنك، وقد أحسن الله إليك، حيث هداك الى الإسلام، والاسلام يجب ما قبله.

ومنهم: عبد اللّه بن الربعرى، وكان يهجو النبي صلّى اللّه عليه وآله بمكة، ويعظم القول فيه، فهرب يوم الفتح، ثم رجع الى رسول اللّه

_____________________

(1) الكافي.

{ 29 }

واعتذر، فقبل صلى اللّه عليه وآله عذره.

ومنهم: وحشي قاتل حمزة سلام اللّه عليه، روي أنّه أسلم، قال له النبي: أوحشي؟ قال: نعم. قال: أخبرني كيف قتلت عمي؟ فأخبره، فبكى صلّى اللّه عليه وآله وقال: غيّب وجهك عني(1).

وهكذا كان امير المؤمنين علي عليه السلام أحلم الناس وأصفحهم عن المسيء:

ظفر بعبد اللّه بن الزبير، ومروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، وهم ألد أعدائه، والمؤلبين عليه، فعفا عنهم، ولم يتعقبهم بسوء.

وظفر بعمرو بن العاص، وهو أخطر عليه من جيش ذي عدّة، فأعرض عنه، وتركه ينجو بحياته حين كشف عن سوأته اتقاءاً لضربته.

وحال جند معاوية بينه وبين الماء، في معركة صفين، وهم يقولون له ولا قطرة حتى تموت عطشاً، فلمّا حمل عليهم، وأجلاهم عنه، سوّغ لهم أن يشربوا منه كما يشرب جنده.

وزار السيدة عائشة بعد وقعة الجمل، وودعها أكرم وداع، وسار في ركابها أميالاً، وأرسل معها من يخدمها ويحفّ بها(2).

وكان الحسن بن علي عليه السلام على سرّ أبيه وجده صلوات اللّه عليهم أجمعين:

فمن حلمه ما رواه المبرد، وابن عائشة: أن شامياً رآه راكباً،

_____________________

(1) سفينة البحار ج 1 .

(2) عبقرية الامام للعقاد بتصرف.

{ 30 }

فجعل يلعنه، والحسن لا يرد، فلما فرغ، أقبل الحسن عليه السلام فسلم عليه، وضحك، فقال: أيها الشيخ أظنّك غريباً، ولعلك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك الينا، وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً. فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: أشهد أنك خليفة اللّه في أرضه، اللّه أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق اللّه اليّ، والآن أنت أحبُّ خلق اللّه اليّ، وحوّل رحله اليه، وكان ضيفه الى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم(1).

وهكذا كان الحسين بن علي عليهما السلام: جنى غلام للحسين عليه السلام جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي والكاظمين الغيظ. قال: خلّوا عنه. قال: يا مولاي والعافين عن الناس. قال: قد عفوت عنك. قال: واللّه يحبُّ المحسنين، قال: أنت حرّ لوجه اللّه، ولك ضعف ما كنت أعطيك(2).

وإني استقرأت سيرة أهل البيت عليهم السلام فوجدتها نمطاً فريداً، ومثلاً عالياً، في دنيا السير والأخلاق:

_____________________

(1) البحار مجلد 9 ص 95.

(2) كشف الغمة للأربلي.

{ 31 }

من ذلك ما قصّه الرواة من حلم الامام زين العابدين عليه السلام، فقد كان عنده أضياف، فاستعجل خادماً له بشواء كان في التنور، فأقبل به الخادم مسرعاً، فسقط منه على رأس بُنيّ لعلي بن الحسين عليه السلام تحت الدرجة، فأصاب رأسه فقتله، فقال علي للغلام وقد تحير الغلام واضطرب: أنت حرّ، فانك لم تتعمده، وأخذ في جهاز ابنه ودفنه(1).

ولُقّب الامام موسى بن جعفر عليه السلام (بالكاظم) لوفرة حلمه، وتجرعه الغيظ، في مرضاة اللّه تعالى.

يحدث الراوي عن ذلك، فيقول: كان في المدينة رجل من أولاد بعض الصحابة يؤذي أبا الحسن موسى عليه السلام ويسبّه إذا رآه، ويشتم علياً، فقال له بعض حاشيته يوماً: دعنا نقتل هذا الفاجر. فنهاهم عن ذلك أشدّ النهي، وزجرهم، وسأل عنه فذُكر أنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة، فركب إليه فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة بحماره، فصاح به لا توطئ زرعنا، فوطأه عليه السلام بالحمار حتى وصل اليه، ونزل وجلس عنده، وباسطه وضاحكه، وقال له: كم غرمت على زرعك هذا؟ قال: مائة دينار. قال: فكم ترجو أن تصيب؟ قال: لست أعلم الغيب. قال له : إنّما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه. قال: أرجو أن يجيء مائتا دينار. قال: فأخرج له أبو الحسن صرّة فيها ثلاثمائة دينار وقال: هذا زرعك على حاله، واللّه يرزقك فيه ما ترجو. قال:

_____________________

(1) كشف الغمة للأربلي.

{ 32 }

فقام الرجل فقبّل رأسه، وسأله أن يصفح عن فارطه، فتبسم اليه أبو الحسن وانصرف. قال: وراح الى المسجد، فوجد الرجل جالساً، فلما نظر اليه، قال: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته. قال: فوثب أصحابه اليه فقالوا: ما قضيتك؟! قد كنت تقول غير هذا. قال: فقال لهم: قد سمعتم ما قلت الآن، وجعل يدعو لأبي الحسن عليه السلام، فخاصموه وخاصمهم، فلما رجع أبو الحسن الى داره، قال لجلسائه الذين سألوه في قتله: أيما كان خيراً، ما أردتم أم ما أردت، إنني أصلحت أمره بالمقدار الذي عرفتم وكُفيت شره(1).

وقد أحسن الفرزدق حيث يقول في مدحهم:

من معشر حبهم دين وبغضهم*** كفر وقربهم منجىً ومعتصم

إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم*** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

_____________________

(1) البحار مجلد 11 نقلاً عن إعلام الورى للطبرسي وارشاد المفيد.


[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://morth.forumarabia.com
 
القسم الاول — الاخلاق العامة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أقوال الامام محمد الجواد في الاخلاق والمواعظ
» الخوف من الله تعالى نعم الاخلاق هذا وقفه هنا وتأمل
» القسم الثاني — في الحقوق والواجبات
» اقوال في الاخلاق
» الاخلاق الاسلامية كتاب قيم فيه عدة فوائد لكل فرد

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السيد مرتضى الموسوي الروحاني رقم الجوال009647806835991 :: قسم الاخلاق الاسلامية وحقيقتها-
انتقل الى: