السيد مرتضى الموسوي الروحاني رقم الجوال009647806835991
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

السيد مرتضى الموسوي الروحاني رقم الجوال009647806835991

السيد الرضوي الموسوي الروحاني للعلاج الروحاني العالم الروحاني للكشف الروحاني هاتف 07806835991
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
السيد المقدس مرتضى الموسوي الروحاني المعالج الروحاني لجلب الحبيب من العراق الاتصال07806835991 ومن خارج العراق 009647806835991
السيدمرتضى الموسوي الروحاني المعالج بالقران وسنة رسوله الكريم العالم الروحاني الذي تميز عن غيره بالصدق والمنطق والعمل الصحيح المعالج الروحاني على مستوى العالم العربي والغربي العالم بالعلوم الفوق الطبيعه السيد الاجل الذي دل صدقه وكلامه على العالم بفضل الله ومنه ورحمته علينا وعليه المعالج الباب الاول لكل ما يطلب منه تجده بأذن الله ومشئيته سبحانه بين يديك ببركة الاولياء والانبياء واسرارهم
العالم الروحاني السيد الرضوي الموسوي للكشف الروحاني عن كل ما يطلب منه بأذن الله ولعلاج الحالات المرضيه الروحيه والنفسيه وفك السحر وابطاله وفتح النصيب واعمال المحبة كله من كتاب الله الكريم واسراررب العالمين تجده في الموقع الرضوي العالم الروحاني للكشف وللعلاج ولاي مقصد اتصل على الرقم اذا كنت من خارج العراق009647806835991 أومن داخل العراق07806835991 او راسلنا على الاميل الالكتروني morthadh86@yahoo.com العالم الروحاني الذي شاع صيته في البلدان بصدقه ونورعمله وعلوا مرتبته العالم الروحاني السيد الرضوي الموسوي العالم الروحاني المتواضع في العمل وتزكيته معكم الموقع الشخصي للعالم الروحاني السيد الرضوي الموسوي والله يشهد انه لمن الصادقين https://morth.forumarabia.com

 

 القسم الثاني — في الحقوق والواجبات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد الله السائر الى الله
المديرالعام للمنتدى



عدد المساهمات : 1869
تاريخ التسجيل : 25/02/2012

القسم الثاني — في الحقوق والواجبات Empty
مُساهمةموضوع: القسم الثاني — في الحقوق والواجبات   القسم الثاني — في الحقوق والواجبات Icon_minitimeالسبت أغسطس 04, 2012 10:59 am

القسم الثاني — في الحقوق والواجبات

{ 294 }

بِسِم اللّه الرحمِن الرحيمِ

قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام:

«الحق أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً للّه سبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه. ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليها مضاعفة الثواب تفضلاً منه، وتوسعاً بما هو من المزيد أهله. ثم جعل سبحانه من حقوقه حقاً افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضاً، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض».



تمهيد

{ 296 }

بِسمِ اللّه الرحمنِ الرحيمِ

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:

فان الانسان مدني بالطبع، لا يستغني عن أبناء جنسه، ولا يستطيع اعتزالهم والتخلف عن مسايرة ركبهم، فانه متى انفرد عنهم أحسن بالوحشة والغربة، واستشعر الوهن والخذلان، ازاء طوارئ الأقدار وملمات الحياة، وعجز عن تحقيق ما يصبو اليه من أماني وآمال، لا يتسنى له تحقيقها الا بالتضامن والتآزر الاجتماعيين.

فهو فرع من دوحة أسرية وشجت على الآباء، وتفرعت عن الأبناء، فالأعمام والأخوال، وامتدت أغصانها حتى انتضمت سائر الأقرباء والأرحام.

وهو عنصر من عناصر المجتمع، ولبنة في كيانه، تتجاذبه أواصر شتى وصلات مختلفة: من العقيدة، والصداقة، والثقافة، والمهنة، وغيرها من الصلات الكثر.

{ 297 }

وهذا الترابط الاجتماعي، او المجتمع المترابط، لابد له من دستور ينظم حياته، ويوثق أواصره، ويحقق العدل الاجتماعي في ظلاله، بما يرسمه من حقوق وواجبات، فردية واجتماعية، تضمن صالح المجتمع، وتصون حقوقه وحرماته المقدسة.

وبذلك يغدو المجتمع زاهراً، سعيداً بالوئام والسلام، والخير والجمال. وباغفال ذلك يغدو المجتمع بائساً شقياً، تسوده الفوضى، ويشيع فيه التسيب، وتنخر في كيانه عوامل التخلف والانهيار.

وقد حوت الشريعة الاسلامية - فيما حوته من ضروب المعجزات الاصلاحية - انها جاءت بدستور أخلاقي هادف بناء، ينظم حياة الفرد وحياة المجتمع أفضل وأكمل تنظيم، بما يرسم له من حقوق وآداب اجتماعية في مختلف الحقول والمجالات، ما يحقق للمسلمين مفاهيم السلام والرخاء، ويكفل إسعادهم أدبياً ومادياً.

من أجل ذلك كان لزاماً على المسلم أن يستلهم ذلك الدستور، ويعرف ماله وعليه من الواجبات والحقوق، ويعنى بتطبيقه والسير على هداه، ليكون مثلاً رفيعاً في جمال السيرة وحسن السلوك، ورعاية حقوق من ينتسب اليهم، ويرتبط بهم من صنوف الروابط والصلات الاجتماعية، وليحقق بذلك ما يهفو اليه من توقير وحب وثناء.

وهذا ما حداني إلى وضع هذا الكتاب، الذي خططته ورسمت مفاهيمه على ضوء القرآن الكريم، وأخلاق أهل البيت عليهم السلام ووصاياهم الحكيمة الجليلة. وعرضت فيه طائفة من أهم الحقوق، وأبلغها أثراً في حياة الفرد

{ 298 }

والمجتمع، مبتدئاً فيه بحقوق اللّه على العباد، فحقوق رسوله الأعظم صلى اللّه عليه وآله، فحقوق الأئمة المعصومين من آله عليهم السلام. ثم استعرضت الحقوق واحداً إثر آخر، متدرجاً من حقوق العلماء الى حقوق الأساتذة والطلاب، فالوالدين والأولاد، والزوجية والرحمية، الى الحقوق الاجتماعية الأخرى التي يجدها المطالع في حقول الكتاب.

وأملي أن يجد فيه المؤمنون رائد خير، وداعية صلاح، ومنار هداية. وان يحظى بشرف قبول اللّه تعالى، وجميل رضوانه، وواسع لطفه ورحمته إنه قريب مجيب.

{ 299 }

الحقوق الالهية

تتفاوت الحقوق بتفاوت أربابها، وقيم عطفهم وفضلهم على المحسنين اليهم.

فللصديق حق معلوم، ولكنه دون حق الشقيق البار العطوف، الذي جمع بين آصرة القربى وجمال اللطف والحنان.

وحق الشقيق دون حق الوالدين، لجلالة فضلهما على الولد وتفوقه على كل فضل.

وبهذا التقييم ندرك عظمة الحقوق الالهية، وتفوقها على سائر الحقوق، فهو المنعم الأعظم الذي خلق الانسان، وحباه من صنوف النعم والمواهب ما يعجز عن وصفه وتعداده، «ألم تروا أن اللّه سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة» (لقمان: 20).

«وان تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها» (ابراهيم: 34).

فكيف يستطيع الانسان حد تلك الحقوق وعرضها، والاضطلاع بواجب شكرها، إلا بعون اللّه تعالى وتوفيقه.

فلا مناص من الاشارة الى بعضها والتلويح عن واجباتها، وهي بعد احراز الايمان باللّه، والاعتقاد بوحدانيته، واتصافه بجميع صفات الكمال وتنزيهه عما لا يليق بجلال ألوهيته.

{ 300 }

1 - العبادة:

قال علي بن الحسين عليه السلام: «فأما حق اللّه الأكبر فانك تعبده، لا تشرك به شيئاً، فاذا فعلت ذلك باخلاص، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منها»(1).

والعبادة لغة، هي: غاية التذلل والخضوع، لذلك لايستحقها الا المنعم الأعظم الذي له غاية الافضال والانعام، وهو اللّه عز وجل.

واصطلاحاً هي: المواظبة على فعل المأمور به.

وناهيك في عظمة العبادة وجليل آثارها وخصائصها في حياة البشر: ان اللّه عز وجل جعلها الغاية الكبرى من خلقهم وإيجادهم، حيث قال: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما اريد أن يطعمون، إن اللّه هو الرزاق ذو القوة المتين» (الذاريات: 56 - 58 ).

وبديهي ان اللّه تعالى غني عن العالمين، لاتنفعه طاعة المطيعين وعبادتهم، ولاتضره معصية العصاة وتمردهم، وإنما فرض عبادته على الناس لينتفعوا بخصائصها وآثارها العظيمة، الموجبة لتكاملهم واسعادهم.

فمن خصائص العبادة: أنها من أقوى الأسباب والبواعث على تركيز العقيدة ورسوخ الايمان في المؤمن، لتذكيرها باللّه عز وجل ورجاء ثوابه، والخوف من عقابه، وتذكيرها بالرسول الأعظم، فلا ينساه ولا ينحرف عنه.

_____________________

(1) رسالة الحقوق للامام علي بن الحسين عليه السلام.

{ 301 }

فاذا ما أغفل المؤمن عبادة ربه نساه، وتلاشت في نفسه قيم الايمان ومفاهيمه، وغدا عرضة للإغواء والضلال. فالعقيدة هي الدوحة الباسقة التي يستظل المسلمون في ظلالها الوارفة الندية، والعبادة هي التي تصونها وتمدها بعوامل النمو والازهار.

والعبادة بعد هذا من أكبر العوامل على التعديل والموازنة، بين القوى المادية والروحية، التي تتجاذب الانسان وتصطرع في نفسه ولا تتسنى له السعادة والهناء إلا بتعادلها. ذلك، أن طغيان القوى المادية واستفحالها يسترق الانسان بزخرفها وسلطانها الخادع، وتجعله ميالاً الى الاثرة والأنانية، واقتراف الشرور والآثام، في تحقيق أطماعه المادية.

فلا مناص - والحالة هذه - من تخفيف جماح المادة والحد من ضراوتها، وذلك عن طريق تعزيز الجانب الروحي في الانسان، وإمداده بطاقات روحية، تعصمه من الشرور وتوجهه وجهة الخير والصلاح. وهذا ماتحققه العبادة باشعاعاتها الروحية، وتذكيرها المتواصل باللّه تعالى، والدأب على طاعته وطلب رضاه.

والعبادة بعد هذا وذاك: اختبار للمؤمن واستجلاء لأبعاد إيمانه. فالايمان سر قلبي مكنون، لا يتبين إلا بما يتعاطاه المؤمن من ضروب الشعائر والعبادات، الكاشف عن مبلغ إيمانه وطاعته للّه تعالى.

وحيث كانت العبادة تتطلب عناءاً وجهداً، كان أداؤها والحفاظ عليها دليلاً على قوة الايمان ورسوخه، واغفالها دليلاً على ضعفه وتسيبه.

فالصلاة .. كبيرة إلا على الخاشعين. والصيام.. كف النفس عن لذائذ الطعام والشراب والجنس. والحج.. يتطلب البذل والمعاناة

{ 302 }

في أداء مناسكه. والزكاة.. منح المال الذي تعتز به النفس وتحرص عليه. والجهاد: هو الاقدام على التضحية والفداء في سبيل الواجب، وكلها اُمور شاقة على النفس.

من أجل ذلك كان أداء العبادة والقيام بها برهاناً ساطعاً على إيمان صاحبها وطاعته للّه عز وجل.

2 - الطاعة:

وهي الخضوع للّه عز وجل وامتثال جميع أوامره ونواهيه.

ولا ريب أنها من أشرف المزايا، وأجل الخلال الباعثة على سعادة المطيع وفوزه بشرف الدنيا والآخرة، كما نوهت بها الآيات الكريمة والأخبار الشريفة:

قال تعالى: «ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً» (الاحزاب: 71).

وقال سبحانه «ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار، ومن يتول يعذبه عذاباً أليماً» (الفتح: 17).

وقال الامام الحسن الزكي عليه السلام: «واذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية اللّه الى عز طاعة اللّه عز وجل.»

وقال الصادق عليه السلام: «اصبروا على طاعة اللّه، وتصبروا عن

{ 303 }

معصية اللّه، فانما الدنيا ساعة، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت» (1).

3 - الشكر:

وهو: عرفان نعمة المنعم، وشكره عليها، واستعمالها في مرضاته.

والشكر خلة مثالية يقدسها العقل والشرع، ويحتمها الضمير والوجدان، ازاء المحسنين من الناس. فكيف بالمنعم الأعظم الذي لا تحصى نعماؤه، ولا تعد آلاؤه؟.

من أجل ذلك حثت الشريعة على التحلي به، في نصوص عديدة من الآيات والروايات.

قال تعالى: «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد» (ابراهيم: 7).

وقال الصادق عليه السلام: «من أعطي الشكر أعطي الزيادة، يقول اللّه عز وجل (لئن شكرتم لازيدنكم)» (2).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «الطاعم الشاكر، له من الأجر كأجر الصائم المحتسب. والمعافى الشاكر، له من الأجر كأجر

_____________________

(1) الوافي، ج 2 ص 63، عن الكافي.

(2) الوافي، ج 2 ص 67، عن الكافي.

{ 304 }

المبتلى الصابر. والمعطى الشاكر، له من الأجر كأجر المحروم القانع» (1).

4 - التوكل:

وهو: الاعتماد على اللّه عز وجل في جميع الامور، وتفويضها اليه، والإعراض عما سواه.

والتوكل، هو من أجل خصائص المؤمنين ومزاياهم المشرفة، الموجبة لعزتهم وسمو كرامتهم وارتياح ضمائرهم، بترفعهم عن الاتكال والاستعانة بالمخلوقين، ولجوئهم وتوكلهم على الخلاق العظيم القدير في كسب المنافع ودرء المضار.

لذلك تواترت الآيات والآثار في تمجيد هذا الخلق، والتشويق اليه.

قال تعالى: «إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده، وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون» (آل عمران: 16).

وقال تعالى: «ومن يتوكل على اللّه فهو حسبه» (الطلاق: 3).

وقال الصادق عليه السلام: «إن الغنى والعز يجولان، فاذا ظفرا بموضع التوكل أوطنا»(2).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسن عليه السلام: «والجئ نفسك في الامور كلها الى إلهك، فانك تلجئها الى كهف حريز، ومانع عزيز»(3).

_____________________

(1) الوافي ج 3 ص 67 عن الكافي.

(2) الوافي ج 3 ص 56 عن الكافي.

(3) نهج البلاغة (ومن شاء التوسع في الابحاث الثلاثة، الطاعة والشكر والتوكل، فليرجع الى القسم الأول من هذا الكتاب).

حقوق النبي صلى اللّه عليه وآله

كان نبينا الأعظم محمد صلى اللّه عليه وآله، المثل الأعلى في سائر نواحي الكمال، اصطفاه اللّه من الخلق واختاره من العباد، وحباه بأرفع الخصائص والمواهب التي حبا بها الأنبياء عليهم السلام، وجمع فيه ما تفرق فيهم من صنوف العظمات والأمجاد ما جعله سيدهم وخاتمهم.

وناهيك في عظمته أنه استطاع بجهوده الجبارة ومبادئه الخالدة، أن يحقق في أقل من ربع قرن من الانتصارات الروحية والمكاسب الدينية، ما لم يستطع تحقيقه سائر الأنبياء والشرائع في أكثر من قرون.

جاء بأكمل الشرائع الالهية، وأشدها ملائمة لأطوار الحياة، وأكثرها تكفلاً باسعاد الانسان مادياً وروحياً، ديناً ودنياً، فأخرج الناس من ظلمة الكفر الى نور الاسلام، ومن شقاء الجاهلية الى السعادة الأبدية. وجعل أمته أكمل الأمم ديناً، وأوفرهم علماً، واسماهم أدباً وأخلاقاً، وأرفعهم حضارة ومجداً.

وقد عانى في سبيل ذلك من ضروب الشدائد والأهوال، ما لم يعانه أي نبي.

من أجل ذلك، فان القلم عاجز عن تعداد أياديه، وحصر حقوقه

{ 306 }

على المسلمين سيما في هذه الرسالة الوجيزة. فلا بد من الاشارة اليها والتلويح عنها.

وهي، بعد الايمان بنبوته، وتصديقه فيما جاء به من عند اللّه عز وجل، والاعتقاد بأنه سيد الرسل، وخاتم الأنبياء:

1 - طاعته:

وطاعة النبي فرض محتم على الناس، كطاعة اللّه تعالى، إذ هو سفيره الى العباد، وأمينه على الوحي، ومنار هدايته الوضاء.

وواقع الطاعة هو: اتباع شرعته، وتطبيق مبادئه الخالدة، التي ما سعد المسلمون ونالوا آمالهم وأمانيهم، الا بالتمسك بها والحفاظ عليها. وما تخلفوا واستكانوا الا باغفالها والانحراف عنها.

أنظر كيف يحرض القرآن الكريم على طاعة النبي صلى اللّه عليه وآله، ويحذر مغبة عصيانه ومخالفته، حيث قال:

«وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا اللّه إن اللّه شديد العقاب» (الحشر: 7).

وقال تعالى: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله أمراً، أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً» (الأحزاب: 36».

وقال سبحانه: «ومن يطع اللّه ورسوله يدخله جنات تجري من


{ 307 }

تحتها الأنهار خالدين فيها، وذلك الفوز العظيم. ومن يعص اللّه ورسوله، ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها، وله عذاب مهين» (النساء: 13 - 14).

وقال عز وجل: «إن الذين يحادون اللّه ورسوله، أولئك في الأذلين. كتب اللّه لاغلبن أنا ورسلي، إن اللّه قوي عزيز» (المجادلة: 20 - 21).

2 - محبته:

تختلف دواعي الحب والإعجاب باختلاف نزعات المحبين وميولهم، فمن الناس من يحب الجمال ويقدسه، ومنهم من يحب البطولة والأبطال ويمجدهم، ومنهم من يحب الاريحية ويشيد بأربابها.

وقد اجتمع في النبي الأعظم صلى اللّه عليه وآله كل ما يفرض المحبة ويدعو الى الاعجاب، حيث كان نموذجاً فذاً، ونمطاً فريداً بين الناس. لخص اللّه فيه آيات الجمال والكمال، وأودع فيه أسرار الجاذبية، فلايملك المرء أزائه الا الحب والاجلال، وهذا ما تشهد به شخصيته المثالية، وتأريخه المجيد.

قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو يصف شمائل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله:

«كان نبي اللّه أبيض اللون، مشرباً حمرة، أدعج العين، سبط الشعر، كث اللحية، ذا وفرة، دقيق المسربة، كأنما عنقه ابريق فضة يجري في تراقيه الذهب، له شعر من لبته الى سرته كقضيب خيط، وليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، شثن الكفين والقدمين، اذا مشى

{ 308 }

كأنه ينقلع من صخر، اذا أقبل كأنما ينحدر من صب، اذا التفت التفت جميعاً بأجمعه، ليس بالقصير ولا بالطويل، كأنما عرقه في وجهه اللؤلؤ، عرقه أطيب من المسك»(1).

وقال عليه السلام وهو يصف أخلاق الرسول صلى اللّه عليه وآله:

«كان أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه فعرفه أحبه، لم أر مثله قبله ولا بعده» (2).

ولأجل تلك الشمائل والمآثر، أحبه الناس على اختلاف ميولهم في الحب: أحبه الأبطال لبطولته الفذة التي لا يجاريه فيها بطل مغوار، وأحبه الكرام اذ كان المثل الأعلى في الأريحية والسخاء، وأحبه العباد لتولهه في العبادة وفنائه في ذات اللّه، وأحبه أصحابه المخلصون لمثاليته الفذة في الخَلق والخُلق.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «جاء رجل من الانصار الى النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللّه ما استطيع فراقك، واني لأدخل منزلي فأذكرك، فأترك ضيعتي وأقبل حتى أنظر اليك حباً لك، فذكرت اذا كان يوم القيامة، وأدخلتَ الجنة، فرفعت في أعلى عليين، فكيف لي بك يا نبي اللّه؟، فنزل: «ومن يطع اللّه والرسول، فأولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك

_____________________

(1) البحار م 6 في أوصاف خلقه وشمائله.

(2) سفينة البحار م 2 ص 414.

{ 309 }

رفيقا» (النساء: 69)، فدعا النبي صلى اللّه عليه وآله الرجلَ فقرأها عليه وبشره بذلك»(1).

وقال أنس: جاء رجل من أهل البادية، وكان يعجبنا ان يأتي الرجل من أهل البادية يسأل النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال: يا رسول اللّه متى قيام الساعة؟

فحضرت الصلاة، فلما قضى صلاته، قال: أين السائل عن الساعة؟

قال: أنا يا رسول اللّه. قال: فما أعددتَ لها؟

قال: واللّه ما أعددت لها من كثير عمل صلاة ولا صوم، الا اني أحب اللّه ورسوله.

فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله: المرء من أحب.

قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الاسلام بشيء أشد من فرحهم بهذا(2).

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: كان رجل يبيع الزيت، وكان يحب رسول اللّه صلي اللّه عليه وآله حباً شديداً، كان اذا أراد أن يذهب في حاجة لم يمض حتى ينظر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، قد عرف ذلك منه، فاذا جاء تطاول له حتى ينظر اليه. حتى اذا كان ذات يوم، دخل فتطاول له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتى نظر اليه ثم مضى في حاجته، فلم يكن بأسرع من أن رجع، فلما رآه رسول اللّه

_____________________

(1) البحار م 6 في باب وجوب طاعته وحبه.

(2) البحار م 6 ، باب وجوب طاعته وحبه، عن علل الشرائع.

{ 310 }

صلى اللّه عليه وآله قد فعل ذلك، أشار اليه بيده إجلس، فجلس بين يديه، فقال: مالك فعلت اليوم شيئاً لم تكن تفعله قبل؟

فقال: يا رسول اللّه، والذي بعثك بالحق نبياً، لغشى قلبي شيء من ذكرك حتى ما استطعت ان أمضي في حاجتي، رجعت اليك. فدعا له وقال له خيراً.

ثم مكث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أياماً لا يراه، فلما فقده سأل عنه، فقيل له: يا رسول اللّه ما رأيناه منذ أيام. فانتعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وانتعل معه أصحابه، فانطلق حتى أتى سوق الزيت، فاذا دكان الرجل ليس فيه أحد، فسأل عنه جيرته، فقالوا: يا رسول اللّه، مات... ولقد كان عندنا أميناً صدوقاً، الا انه قد كان فيه خصلة، قال: وما هي؟ قالوا: كان يزهق (يعنون، يتبع النساء). فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: لقد كان يحبني حباً، لو كان بخاساً لغفر اللّه له(1).

3 - الصلاة عليه:

قال تعالى: «إن اللّه وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً» (الأحزاب: 56).

_____________________

(1) الوافي ج 3، ص 143 - 144. الزهق: غشيان المحارم. والبخس: النقص في المكيال والميزان.

{ 311 }

درج الناس على إجلال العظماء وتوقيرهم بما يستحقونه من صور الاجلال والتوقير، تكريماً لهم وتقديراً لجهودهم ومساعيهم في سبيل أممهم.

ومن هنا كان السلام الجمهوري والتحية العسكرية فرضاً على الجنود، تبجيلاً لقادتهم وإظهاراً لاخلاصهم لهم.

فلا غرابة أن يكون من حقوق النبي صلى اللّه عليه وآله على أمته - وهو سيد الخلق وأشرفهم جميعاً - تعظيمه والصلاة عليه، عند ذكر اسمه المبارك أو سماعه، وغيرهما من مواطن الدعاء.

وقد أعربت الآية الكريمة عن بالغ تكريم اللّه تعالى وملائكته للنبي صلى اللّه عليه وآله «ان اللّه وملائكته يصلون على النبي»، ثم وجهت الخطاب الى المؤمنين بضرورة تعظيمه والصلاة والسلام عليه «يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما».

وجاءت نصوص اهل البيت عليهم السلام توضح خصائص ورغبات الصلاة عليه، بأسلوب شيق جذاب.

فمن ذلك ما جاء عن ابن أبي حمزة عن أبيه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عز وجل ( إن اللّه وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما). فقال: الصلاة من اللّه عز وجل رحمة، ومن الملائكة تزكية، ومن الناس دعاء. وأما قوله عز وجل (وسلموا تسليما)، فانه يعني بالتسليم له فيما ورد عنه. قال: فقلت له: فكيف نصلي على محمد وآله؟

قال: تقولون «صلوات اللّه وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع

{ 312 }

خلقه على محمد وآل محمد، والسلام عليه وعليهم ورحمة اللّه وبركاته».

قال: فقلت فما ثواب من صلى على النبي وآله بهذه الصلاة؟

قال: الخروج من الذنوب، واللّه، كهيئة يوم ولدته أمه(1).

وقال الصادق عليه السلام: من صلى على محمد وآل محمد عشراً صلى اللّه عليه وملائكته مائة مرة، ومن صلى على محمد وآل محمد مائة صلى اللّه عليه وملائكته ألفاً، أما تسمع قول اللّه تعالى «هو الذي يصلي عليكم وملائكته، ليخرجكم من الظلمات الى النور، وكان بالمؤمنين رحيماً» (2) (الأحزاب: 43).

وقال الصادق عليه السلام: كل دعاء يدعى اللّه تعالى به، محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد وآل محمد(3).

وعن احدهما عليهما السلام قال: ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد، وإن الرجل ليوضع أعماله في الميزان فيميل به، فيخرج صلى اللّه عليه وآله «الصلاة عليه» فيضعها في ميزانه، فيرجح به (4) .

وقال الرضا عليه السلام: من لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه، فليكثر من الصلاة على محمد وآله، فانها تهدم الذنوب هدما(5).

_____________________

(1) البحار م 19، ص 78، عن معاني الأخبار للصدوق (ره).

(2) الوافي ج 5، ص 228، عن الكافي.

(3) الوافي ج 5، ص 227، عن الكافي.

(4) الوافي ج 5، ص 228، عن الكافي.

(5) البحار م 19، ص76، عن عيون اخبار الرضا وامالي الشيخ الصدوق (ره).

{ 313 }

وجاء في الصواعق (ص 87)، قال: ويروى «لا تصلوا عليَّ الصلاة البتراء. فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون «اللهم صل على محمد» وتمسكون. بل قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد» (1).

مودة أهل بيته الطاهرين:

الذين فرض اللّه مودتهم في كتابه، وجعلها أجر الرسالة، وحقاً مفروضاً من حقوق النبي صلى اللّه عليه وآله، فقال تعالى: «قل لا أسئلكم عليه أجراً الا المودة في القربى، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً، إن اللّه غفور شكور» (الشورى: 23).

وقد اتصف اهل البيت عليهم السلام بجميع دواعي الاعجاب والاكبار، وبواعث الحب والولاء، كما وصفهم الشاعر:

من معشر حبهم دين وبغضهم*** كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم*** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

نعم هم صفوة الخلق، وحجج العباد، وسفن النجاة، وخير من أقلته الأرض وأظلّته السماء - بعد جدهم الأعظم صلى اللّه عليه وآله - حسباً ونسباً وفضائل وأمجاداً.

وكيف يرتضي الوجدان السليم محبة النبي صلى اللّه عليه وآله دون أهل بيته الطاهرين، الجديرين بأصدق مفاهيم الحب والود، إنها ولاريب

_____________________

(1) فضائل الخمسة، من الصحاح الستة.

{ 314 }

محبة زائفة تنمّ عن نفاق ولؤم، كما جاء عن عبد اللّه بن مسعود قال: كنا مع النبي صلى اللّه عليه وآله في بعض أسفاره، إذ هتف بنا أعرابي بصوت جمهور، فقال: يا محمد. فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله: ما تشاء؟ فقال: المرء يحب القوم ولا يعمل بأعمالهم. فقال النبي صلى اللّه عليه وآله: المرء مع من أحب. فقال: يا محمد، اعرض عليَّ الاسلام. فقال: إشهد ان لا إله الا اللّه، واني رسول اللّه، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت.

فقال: يا محمد، تأخذ على هذا أجرأ؟ فقال: لا، إلا المودة في القربى. قال: قرباي أو قرباك؟ فقال: بل قرباي. قال: هلمّ يدك حتى أبايعك، لا خير فيمن يودّك ولايودّ قرباك(1).

وقد أجمع الامامية أنّ المراد بالقربى في الآية الكريمة، هم الأئمة الطاهرون من أهل البيت عليهم السلام، ووافقهم على ذلك ثلة من أعلام غيرهم من المفسرين والمحدثين، كأحمد بن حنبل، والطبراني، والحاكم عن ابن عباس. كما نص عليه ابن حجر، في الفصل الأول من الباب الحادي عشر من صواعقه، قال: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال صلى اللّه عليه وآله: علي وفاطمة وابناهما(2).

_____________________

(1) البحار م 7، ص 389، عن مجالس الشيخ المفيد (ره).

(2) انظر الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء، للامام شرف الدين (ره) ص 18.

{ 315 }

انظر، كيف يحرض النبي صلى اللّه عليه وآله امته على مودة قرباه وأهل بيته، كما يحدثنا به رواة الفريقين:

فمما ورد من طرقنا:

عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: من أحبنا أهل البيت فليحمد اللّه على أول النعم. قيل: وما أول النعم؟ قال: طيب الولادة، ولا يحبنا إلا من طابت ولادته(1).

وعن أبي جعفر الباقر عن ابيه عن جده عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن، أهوالهن عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط(2).

وعن ابي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: لو أن عبداً عبد اللّه الف عام، ثم يذبح كما يذخ الكبش، ثم أتى اللّه ببغضنا أهل البيت، لرد اللّه عليه عمله(3).

وعن الباقر عليه السلام عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال: لا تزول قدم (قدما خ ل) عبد يوم القيامة من بين يدي اللّه، حتى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك من أين

_____________________

(1) البحار م 7، ص 389، عن علل الشرائع ومعاني الأخبار وامالي الصدوق(ره).

(2) البحار م 7، ص 391، عن الخصال.

(3) البحار م 7، ص 397، عن محاسن البرقي.

{ 316 }

اكتسبته وأين وضعته، وعن حبنا أهل البيت(1).

وعن الحكم بن عتيبة، قال: بينا أنا مع أبي جعفر عليه السلام، والبيت غاص بأهله، إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له، حتى وقف على باب البيت فقال: السلام عليك يابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته، ثم سكت. فقال ابو جعفر: وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته. ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال: السلام عليكم، ثم سكت، حتى أجابه القوم جميعاً وردّوا عليه السلام. ثم أقبل بوجهه على ابي جعفر عليه السلام، ثم قال: يابن رسول اللّه أدنني منك، جعلني اللّه فداك، فواللّه اني لأحبكم وأحب من يحبكم، وواللّه ما أحبكم وما أحب من يحبكم لطمع في دنيا. واني لأبغض عدوكم وأبرأ منه، وواللّه ما ابغضه وأبرأ منه لوترٍ كان بيني وبينه. واللّه اني لأحلّ حلالكم، وأحرم حرامكم، وأنتظر أمركم. فهل ترجو لي، جعلني اللّه فداك؟!

فقال ابوجعفر عليه السلام: اليّ... اليّ، حتى أقعده الى جنبه. ثم قال: أيها الشيخ، إن ابي علي بن الحسين عليه السلام، أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه، فقال له أبي: إن تمت ترِد على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام، ويثلج قلبك، ويبرد فؤادك، وتقر عينيك، وتستقبل بالرَّوح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا - وأهوى بيده الى حلقه - وان تعش تر ما يقر اللّه به عينك، وتكون معنا في السنام

_____________________

(1) البحار م 7، ص 389، عن مجالس الشيخ المفيد.

{ 317 }

الأعلى - الخ(1).

ومما جاء من طرق إخواننا:

وأخرج ابن حنبل والترمذي، كما في الصواعق ص 91: انه صلى اللّه عليه وآله أخذ بيد الحسنين وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة(2).

وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: ألا من مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، الا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الايمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير، ألا ومات على حب آل محمد يزف الى الجنة كما تزف العروس الى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان الى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة. ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة اللّه - الحديث(3).

وأورد ابن حجر ص 103 من صواعقه حديثاً، هذا نصه:

_____________________

(1) الوافي ج 3، ص 139، عن الكافي.

(2) الفصول المهمة للامام شرف الدين، ص 41.

(3) الفصول المهمة للامام شرف الدين، ص 42.

{ 318 }

إن النبي خرج على أصحابه ذات يوم، ووجهه مشرق كدائرة القمر. فسأله عبد الرحمن بن عوف عن ذلك، فقال صلى الّله عليه وآله: بشارة اتتني من ربي في اخي وابن عمي وابنتي، بأن زوّج علياً من فاطمة، وأمر رضوان خازن الجنان فهزّ شجرة طوبى، فحملت رقاقاً (يعني صكاكاً) بعدد محبي أهل بيتي، وأنشأ تحتها ملائكة من نور، دفع الى كل ملك صكاً، فاذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق، فلا يبقى محب لأهل البيت الا دفعت اليه صكاً فيه فكاكه من النار، فصار أخي وابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من امتي من النار(1).

وجاء في مستدرك الصحيحين ج 3، 127، عن ابن عباس قال: نظر النبي صلى اللّه عليه وآله الى علي عليه السلام فقال: ياعلي، أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب اللّه، وعدوك عدوي، وعدوي عدو اللّه، والويل لمن أبغضك بعدي(2).

وأخرج الحافظ الطبري، في كتاب الولاية، باسناده عن علي عليه السلام انه قال: لا يحبني ثلاثه: ولد زنا، ومنافق، ورجل حملت به أمه في بعض حيضها(3).

وأخرج الطبراني في الأوسط، والسيوطي في إحياء الميت، وابن حجر في صواعقه في باب الحث على حبهم:

_____________________

(1) الفصول المهمة، للامام شرف الدين، ص 43.

(2) فضائل الخمسة، من الصحاح الستة ج 1 ، ص 200.

(3) الغدير ج 4، ص 322.

{ 319 }

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: إلزموا مودتنا أهل البيت، فانه من لقي اللّه وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا(1) الى كثير من النصوص التي يطول عرضها في هذا المختصر.

ولا ريب أن المراد بأهل البيت عليهم السلام، هم الأئمة الاثنا عشر المعصومون صلوات اللّه عليهم، دون سواهم، لأن هذه الخصائص الجليلة، والمزايا الفذة، لا يستحقها إلا حجج اللّه تعالى على العباد، وخلفاء رسوله الميامين.

_____________________

(1) المراجعات، للامام شرف الدين، ص 22.



حقوق الأئمة الطاهرين عليهم السلام

فضلهم:

لقد حاز الأئمة الطاهرون من أهل البيت عليهم السلام السبق في ميادين الفضل والكمال، ونالوا الشرف الأرفع في الأحساب والأنساب. فهم آل رسول اللّه وأبناؤه، نشأوا في ربوع الوصي، وترعرعوا في كنف الرسالة، واستلهموا حقائق الاسلام ومبادئه عن جدهم الأعظم، فكانوا ورثه علمه، وخزان حكمته، وحماة شريعته الغراء، وخلفاءه الميامين.

وقد جاهدوا في نصرة الدين وحماية المسلمين، جهاداً منقطع النظير، وفدوا أنفسهم في سبيل اللّه تعالى، حتى استشهدوا في سبيل العقيدة والمبدأ، لا تأخذهم في اللّه لومة لائم، ولاتخدعهم زخارف الحياة.

وكم لهم من أياد وحقوق على المسلمين، ينوء القلم بشرحها وتعدادها. بيد أني أشير اليها إشارة خاطفة، وهي:

1 - معرفتهم:

كما جاء في الحديث المتواتر بين الفريقين، وفي الصحاح المعتبرة، قوله صلى اللّه عليه وآله:

{ 321 }

«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية»(1).

الامام هو خليفة النبي صلى اللّه عليه وآله، وممثله في اُمته، يبلغها عنه أحكام الشريعة، ويسعى جاهداً في تنظيم حياتها، وتوفير سعادتها، وإعلاء مجدها. وحيث كان الامام كذلك، وجب على كل مسلم معرفته، كما صرح بذلك الحديث الشريف، ليكون على بصيرة من عقيدته وشريعته، وليسير على ضوء توجيهه وهداه.

فاذا أغفل المسلم معرفة إمامه، ولم يستهد به، وهو الدليل المخلص، والرائد الأمين، ضل عن نهج الاسلام وواقعه، ومات كافراً منافقاً.

وقد اشعر الحديث بضرورة وجود الامام ووجوب معرفته مدى الحياة، لأن اضافة الامام الى الزمان تستلزم استمرارية الامامة، وتجددها عبر الأزمنة والعصور.

وهكذا توالت الأحاديث النبوية، المتواترة بين الفريقين، والمؤكدة على ضرورة معرفة الأئمة الطاهرين، والاهتداء بهم، كقوله صلى اللّه عليه وآله: «في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم الى اللّه، فانظروا من توفدون»(2).

وقال صلى اللّه عليه وآله (كما جاء في صحيح مسلم):

_____________________

(1) انظر مصادر الحديث ورواته في الغدير، للحجة الأميني ج 10 ص 359 - 360.

(2) المراجعات، ص 21.

{ 322 }

«لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش».

وهذا الحديث شاهد على وجود الامامة حتى قيام الساعة، وقصرها على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السلام، دون غيرهم من ملوك الأمويين والعباسيين لزيادتهم عن هذا العدد.

2 - موالاتهم:

معرفة الامام لاتجدي نفعاً، ولا تحقق الاماني والآمال المعقودة عليه، الا اذا اقترنت بولائه، والسير على هداه. ومتى تجردت المعرفة من ذلك غدت هزيلة جوفاء.

ذلك ان الامام هو خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، وحامل لواء الاسلام، ورائد المسلمين نحو المثل الاسلامية العليا، يبين لهم حقائق الشريعة، ويجلو أحكامها، ويصونها من كيد الملحدين ودسهم، ويعمل جاهداً في حماية المسلمين، ونصرهم، واسعادهم مادياً وروحياً، ديناً وديناً.

من أجل ذلك كان التخلف عن موالاة الامام والاهتداء به، مدعاة للزيغ والضلال، والانحراف عن خط الاسلام ونهجه المرسوم. كما نوه النبي صلى اللّه عليه وآله عن ذلك، وأوضح للمسلمين أنّ الهدى والفوز في ولاء الأئمة الطاهرين من أهل البيت عليهم السلام، وأن الضلال والشقاء في مجافاتهم ومخالفتهم.

{ 323 }

قال صلى اللّه عليه وآله: «إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»(1).

وقال صلى اللّه عليه وآله: «إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2).

وقد أوضح أمير المؤمنين عليه السلام معنى العترة:

فعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله «إني مخلف فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي» من العترة؟

فقال: أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب اللّه ولا يفارقهم، حتى يردا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حوضه(3).

وهذا الحديث يدل بوضوح أن القرآن الكريم والعترة النبوية الطاهرة، صنوان مقترنان مدى الدهر، لاينفك احدهما عن قرينه، وأنه كما يجب أن يكون القرآن دستوراً للمسلمين وحجة عليهم، كذلك وجب أن يكون في كل عصر امام من أهل البيت عليهم السلام يتولى إمامة المسلمين، ويوجههم وجهة الخير والصلاح.

_____________________

(1) المراجعات، ص17.

(2) المراجعات ص 14.

(3) سفينة البحار، عن معاني الاخبار وعيون اخبار الرضا عليه السلام.

{ 324 }

وقال صلى اللّه عليه وآله: «من أحب أن يحيى حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد، فليتول علياً وذريته من بعده، فانهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم باب ضلالة»(1).

الى كثير من الأحاديث النبوية المحرضة على موالاة أهل البيت عليهم السلام والاقتداء بهم.

3 - طاعتهم:

قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فان تنازعتم في شيء فروده الى اللّه والى الرسول، إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلاً» (النساء: 59).

ولقد أوجب اللّه تعالى على المسلمين في الآية الكريمة طاعة الأئمة من آل محمد بصفتهم خلفاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، وأمراء المسلمين، وقادة الفكر الاسلامي، ليستضيئوا بهداهم، وينتفعوا بتوجيههم الهادف البناء، ولا ينحرفوا عن واقع الاسلام، ونهجه الأصيل.

فرض طاعتهم، كما فرض طاعته وطاعة رسوله، سواء بسواء. وهذا ما يشعر بخلافتهم الحقة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، وعصمتهم من الآثام لأن الطاعة المطلقة لا يستحقها إلا الامام المعصوم، الذي فرض اللّه طاعته على العباد.

_____________________

(1) المراجعات ص 156.

{ 325 }

فمن الخطأ الكبير تأويل «أولي الأمر» وحملها على سائر أمراء المسلمين، لمخالفة الكثيرين منهم للّه تعالى ورسوله، وانحرافهم عن خط الاسلام.

يحدثنا زرارة، وهو من أجل المحدثين والرواة، عن فضل موالاة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، وضرورة طاعتهم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال «بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية» قال زرارة: فقلت وأي شيء من ذلك أفضل؟ قال: الولاية، لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن..

الى أن قال: ثم قال عليه السلام: ذروة الأمر، وسنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضا الرحمن.... الطاعة للامام، بعد معرفته. إن اللّه عز وجل يقول:

«من يطع الرسول فقد أطاع اللّه، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً» (النساء: 80).

أما لو أن رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحج دهره، ولم يعرف ولاية ولي اللّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته اليه، ما كان له على اللّه حق في ثواب، ولا كان من أهل الايمان» الخبر(1).

وقال الصادق عليه السلام: وصل اللّه طاعة ولي أمره.. بطاعة رسوله، وطاعة رسوله... بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع

_____________________

(1) سفينة البحار ج 2، ص 691 نقل بتصرف.

{ 326 }

اللّه ولا رسوله(1).

4 - أداء حقهم من الخمس:

قال تعالى: «واعلموا أنما غنمتم من شيء فان للّه خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل» (الأنفال: 41).

وهذا الحق فرض محتم على المسلمين، شرعه اللّه عز وجل لأهل البيت عليهم السلام ومن يمتّ اليهم بشرف القربى والنسب.

وهو حق طبيعي يفرضه العقل والوجدان، كما يفرضه الشرع. فقد درجت الدول على تكريم موظفيها والعاملين في حقولها، فتمنحهم راتباً تقاعدياً يتقاضوه عند كبر سنهم، ويورثونه لأبنائهم، وذلك تقديراً لجهودهم في صالح أممهم وشعوبهم.

وقد فرض اللّه الخمس لآل محمد وذراريهم، تكريماً للنبي صلى اللّه عليه وآله، وتقديراً لجهاده الجبار، وتضحياته الغالية، في سبيل أمته، وتنزيهاً لآله عن الصدقة والزكاة.

وقد أوضح أمير المؤمنين عليه السلام مفهوم ذي القربى، فقال: نحن واللّه الذين عنى اللّه بذي القربى، الذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيه، فقال «ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى، فلله وللرسول ولذي القربي واليتامى والمساكين» (الحشر:7) منّا خاصة، لأنه لم يجعل لنا سهماً

_____________________

(1) سفينة البحار ج 2، ص 691.

{ 327 }

في الصدقة، وأكرم اللّه نبيه، وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس(1).

وعن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أصلحك اللّه، ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال: من اكل مال اليتيم درهما، ونحن اليتيم(2)

وقد دار الجدال والنقاش بين الامامية وغيرهم، حول مفهوم الغنيمة، أهي مختصة بغنائم الحرب، أم عامة لجميع الفوائد والمنافع؟ وتحقيق ذلك يخرج هذا الكتاب عن موضوعه الأخلاقي، ومرجعه المصادر الفقهية.

5 - الاحسان الى ذريتهم:

من دلائل مودة الأئمة الطاهرين عليهم السلام، ومقتضيات ولائهم، والوفاء لهم... رعاية ذراريهم، والبرّ بهم، والاحسان اليهم. وهم جديرون بذلك، لشرف انتمائهم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، وانحدارهم من سلالة أبنائه المعصومين عليهم السلام.

وقد أعرب النبي صلى اللّه عليه وآله عن اغتباطه وحبه لمبجليهم ومكرميهم، كما اوضح استنكاره وسخطه على مؤذيهم والمسيئين اليهم.

فعن الرضا عن آبائه عن علي عليه السلام، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي من

_____________________

(1) الوافي ج 6، ص 38، عن الكافي.

(2) البحار م 20، ص 48، عن كمال الدين للصدوق، وتفسير العياشي.

{ 328 }

بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمولهم عند اضطرارهم، والمحب لهم بقلبه ولسانه(1).

وعن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: اذا قمتُ المقام المحمود، تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي، فيشفعني اللّه فيهم. واللّه لاتشفعت فيمن آذى ذريتي(2).

6 - مدحهم ونشر فضلهم:

طبع النبلاء على تقدير العظماء والمجلّين في ميادين الفضائل والمكرمات، فيطرونهم بما يستحقونه من المدح والثناء، تكريماً لهم وتخليداً لمآثرهم.

وحيث كان الأئمة الطاهرون أرفع الناس حسباً ونسباً، وأجمعهم للفضائل، وأسبقهم في ميادين المآثر والأمجاد، استحقوا من مواليهم ومحبيهم أن يعربوا عما ينطوون عليه من عواطف الحب والولاء، وبواعث الإعجاب والإكبار، وذلك بمدحهم، ونشر فضائلهم، والإشادة بمآثرهم الخالدة، تكريماً لهم، وتقديراً لجهادهم الجبّار، وتضحياتهم الغالية في خدمة الاسلام والمسلمين.

وناهيك في فضلهم أنهم كانوا غياث المسلمين، وملاذهم في كل خطب، لا يألون جهداً في إنقاذهم، وتحريرهم من سطوة الطغاة والجائرين،

_____________________

(1) البحار م 20، ص 57، عن عيون اخبار الرضا عليه السلام.

(2) البحار م 20، ص 57، عن أمالي الصدوق.

{ 329 }

وإمدادهم بأسمى مفاهيم العزة والكرامة، ما وسعهم ذلك حتى استشهدوا في سبيل تلك الغاية السامية.

والناس أزاء أهل البيت، فريقان:

فريق حاقد مبغض، ينكر فضائلهم ومثلهم الرفيعة، ويتعامى عنها، رغم جمالها واشراقها، فهو كما قال الشاعر:

ومن يك ذا فم مرّ مريض*** يجد مراً به الماء الزلالا

وفريق واله بحبهم وولائهم، شغوف بمناقبهم، طروب لسماعها، ويلهج بترديدها والتنويه عنها، وان عانى في سبيل ذلك ضروب الشدائد والأهوال. وهذا ما أشار اليه أمير المومنين عليه السلام بقوله:

«لو ضربتُ خيشوم المؤمن بسيفي هذا على ان يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني، وذلك انه قضى فانقضى على لسان النبي الأمي صلى اللّه عليه وآله، انه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق».

من أجل ذلك كان العارفون بفضائلهم، والمتمسكون بولائهم، يتبارون في مدحهم، ونشر مناقبهم، معربين عن حبهم الصادق وولائهم الأصيل، دونما طلب جزاء ونوال.

وكان الأئمة عليهم السلام، يستقبلون مادحيهم بكل حفاوة وترحاب، شاكرين لهم عواطفهم الفياضة ، وأناشيدهم العذبة، ويكافؤنهم عليها بما وسعت يداهم من البر والنوال، والدعاء لهم بالغفران، وجزيل الأجر والثواب.

{ 330 }

فقد جاء في (خزانة الأدب): حكى «صاعد» مولى الكميت، قال: دخلت مع الكميت على علي بن الحسين عليه السلام فقال: إني قد مدحتك بما أرجو أن يكون لي وسيلة عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، ثم أنشده قصيدته التي أولها:

من لقلب متيم مستهام*** غير ما صبوة ولا أحلام

فلما أتى على آخرها، قال له: ثوابك نعجز عنه، ولكن ما عجزنا عنه فان اللّه لا يعجز عن مكافأتك، اللهم اغفر للكميت. ثم قسط له على نفسه وعلى أهله أربعمائه ألف درهم، وقال له: خذ يا ابا المستهل. فقال له: لو وصلتني بدانق لكان شرفاً لي، ولكن إن أحببت أن تحسن اليّ فادفع اليّ بعض ثيابك اتبرك بها، فقام فنزع ثيابه ودفعها اليه كلها، ثم قال: اللهم إن الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك بنفسه حين ضنّ الناس، وأظهر ما كتمه غيره من الحق، فأحيه سعيداً، وأمته شهيداً، وأره الجزاء عاجلاً، وأجزل له المثوبة آجلاً، فإنا قد عجزنا عن مكافأته.

قال الكميت: مازلت أعرف بركة دعائه(1).

وقال دعبل: دخلت على علي بن موسى الرضا عليه السلام - بخراسان - فقال لي: أنشدني شيئاً مما أحدثت، فأنشدته:

مدارس آيات خلت من تلاوة*** ومنزل وحي مقفر العرصات

حتى انتهيت الى قولي:

اذا وتروا مدّوا الى واتريهم*** أكفاً عن الأوتار منقبضات

_____________________

(1) الغدير ج 2، ص 189.

{ 331 }

فبكى حتى اغمي عليه، وأومأ اليّ خادم كان على رأسه: ان اسكت، فسكتُّ فمكث ساعة ثم قال لي: أعد. فأعدتُ حتى انتهيت الى هذا البيت أيضاً، فأصابه مثل الذي أصابه في المرة الأولى، وأومأ الخادم اليّ أن أسكت، فسكت. فمكث ساعة أخرى، ثم قال لي: أعد. فأعدت حتى انتهيت الى آخرها، فقال لي: أحسنت، ثلاث مرّات. ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم، مما ضرب باسمه، ولم تكن دفعت الى احد بعد. وأمر لي من في منزله، بحليّ كثيرٍ أخرجه إليّ الخادم، فقدمت العراق، فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم، اشتراها مني الشيعة، فحصل لي مائة الف درهم، فكان أول مالٍ اعتقدته.

قال ابن مهرويه: وحدثني حذيفة بن محمد، أن دعبلاً قال له: إنه استوهب من الرضا عليه السلام ثوباً قد لبسه، ليجعله في أكفانه. فخلع جبّة كانت عليه، فأعطاه اياها. فبلغ أهل قم خبرها، فسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين الف درهم، فلم يفعل، فخرجوا عليه في طريقه، فأخذوها منه غصباً، وقالوا له: إن شئت أن تأخذ المال فافعل، والا فأنت أعلم. فقال لهم: إني واللّه لا أعطيكم اياها طوعاً، ولا تنفعكم غصباً، وأشكوكم الى الرضا عليه السلام. فصالحوه، على أن أعطوه الثلاثين ألف درهم وفردكم من بطانتها، فرضي بذلك. فأعطوه فردكم فكان في اكفانه(1).

وكم لهذه القصص من أشباه ونظائر، يطول عرضها وتعدادها في هذا المجال المحدود.

_____________________

(1) الغدير ج 2، ص 350 - 351.

زيارة مشاهدهم:

ومن حقوقهم على مواليهم وشيعتهم، زيارة مشاهدهم المشرفة، والتسليم عليهم. فانها من مظاهر الحب والولاء، ومصاديق الوفاء والاخلاص فهم سيّان، أحياءاً وأمواتاً.

قال الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه:

«ان رسول اللّه (ص) والأئمة من عترته خاصة، لا يخفى عليهم بعد الوفاة أحوال شيعتهم في دار الدنيا، باعلام اللّه تعالى لهم ذلك حالاً بعد حال، ويس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://morth.forumarabia.com
 
القسم الثاني — في الحقوق والواجبات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب بداية ونهاية الحكمة الجزء الثاني وهو كتاب فلسفي لكنه روعه في دراسات العلوم الاسلامية يدرس فهذا الجزء الثاني من الكتاب
» الحقوق الزوجية
» القسم الاول — الاخلاق العامة
» رسالة الحقوق "الامام زين العابدين عليه السلام"
» الجزء الثاني وصايا عرفانيه رحمانيه وصاياه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السيد مرتضى الموسوي الروحاني رقم الجوال009647806835991 :: قسم الاخلاق الاسلامية وحقيقتها-
انتقل الى: