الملِك والجارية
كان هناك ملك مقتدر وقوي, خرج في أحد الأيام للصيد, وفي الطريق شاهد جارية جميلة فعشقها, وطلبها من سيدها ودفع له مالاً كثيراً فباعه إياها, وبعد مدة مرضت الفتاة مرضاً شديداً فحزن الملك لمرضها كثيراً, واستدعى أطباء القصر وقال لهم: إن روحي مرتبطة بروح هذه الفتاة فإذا لم تُشف فإنني سأموت معها حتماً, وبذل الأطباء جهدهم ولكن دون جدوى, الفتاة تزداد هزالاً والدواء يعطي مفعولاً عكسياً.
عندها يئس الملك من الأطباء, فذهب إلى المسجد وجلس في المحراب وأخذ بالبكاء والبكاء حتى فقد وعيه, عندما استعاد وعيه دعا ربه قائلاً: الهي ماذا أقول ؟ أنت تعلم ما في نفسي, ودائما كنت في نصرتي. وكان يدعو من قلبه وروحه وفجأة أدركه اللطف الالهي فبينما هو يدعو غطَّ في النوم.
وفي النوم راى رجلاً نورانياً يقول له: أبشر فإن الله قبل دعاءك, سيأتيك غداً رجل لا تعرفه إلى قصرك وهو حكيم عالم يدرك كل الأمراض وعلاجها, تتجلى قدرة الله فيه فانتظره!
في الصباح ومع طلوع الشمس جلس الملك ينتظر الرجل وفجأة رأى من بعيد وجه رجل يبدو عليه العلم والوقار يشع وجهه كالشمس يشبه الرجل الذي رآه في عالم المنام, قام الملك واستقبله وكأنه يعرفه منذ سنين طويلة مع أنه لم يره قبل ذلك وكأن روحيهما روح واحدة. وكاد الملك يطير من الفرح ولشدة أنسه به قال الملك له: معشوقي الحقيقي أنت وليس الفتاة, الفتاة كانت وسيلة لأراك, ثم قبَّل ضيفه وأدخله القصر.
وبعد أن استراح الحكيم رأى الفتاة وعاينها ثم قال للملك:كل الأدوية التي وُصفت لها بدون فائدة بل على العكس جعلت المريضة أسوء حالاً, لقد أدرك الرجل مرض الفتاة ولكنه لم يقل للملك, لقد فهم الرجل أن الفتاة عاشقة, جسمها سليم لكن قلبها مريض.
مرض العشق يختلف عن بقية الأمراض لأنه مرآة أسرار الله ويعجز العقل عن شرحه.
على كل حال قال الحكيم للملك يجب عليكم بالخروج من الغرفة حتى الملك!! لأنني أريد أن أسأل هذه الفتاة عدة اسئلة, خرج الجميع وبقي الحكيم مع الفتاة وبدأ يسألها
من أي مدينة أنت؟ وكان يراقب نبضها أثناء الأسئلة
وبدأ يسألها عن جميع مدن البلد الذي تعيش فيه وكان نبضها طبيعياً إلى أن سألها عن مدينة اسمها "سمرقند" فجأة ارتفع نبض الفتاة واحمرَّ وجهها, فبدأ يسألها عن الحارات الموجودة في مدينة سمرقند إلى أن وصل إلى حارة اسمها "غاتفر" فاشتد النبض أكثر, فعرف أن الفتاة متعلقة بهذه الحارة في مدينة سمرقند, ثم راح يسألها السؤال تلو السؤال حتى ذكرت اسم شاب صائغ يعمل في الذهب في تلك الحارة عندها بلغ اضطرابها الذروة واصفر لون الفتاة!
قال الحكيم: لقد عرفت داءك وسريعا سوف تشفين, ولا تقولي لأحد شيئا عن هذا الموضوع
لأن السر إذا حفظ في القلب يصبح كالحبة التي نضعها في التراب فإنها تنمو وتصبح شجرة خضراء.
ثم حكى الحكيم للملك القصة وأنه لا مجال للملك إلا بإحضار الشاب ولو بالحيلة, فأرسل الملك إليه رجاله فقالوا للشاب وكان وسيماً شديد الجمال:
لقد بلغ صيتك في أرجاء البلاد والملك يدعوك لكي تأتي وتعمل عنده صائغاً في القصر, وأعطوه بعض الهدايا التي أرسلها إليه الملك, فلما سمع الشاب ورأى سال لعابه لذلك فقبل بالذهاب مع رجال الملك إلى القصر, وكان طيلة الطريق يحلم بما سيجده من المجوهرات والهدايا من خلال عمله في القصر.
عندما وصل إلى القصر استقبله الحكيم بحرارة وعينه رئيسا على الخزينة ثم قال الحكيم للملك: يجب أن يتزوج الشاب الفتاة لكي تتحسن حالتها
وفعلا تم الزواج ومضت ستة أشهر فاستعادت الفتاة صحتها وعادت كما كانت, عندها بدأ الحكيم بإعطاء الشاب دواءً جعله يضعف يوما بعد يوم وذهب جمال وجهه ولم يمض شهر حتى أصبح هزيلاً وقبح وجهه عندها أصبح عشق الفتاة له بارداً, وعندما أحس الشاب بما فعله به الحكيم بدأ يبكي دماً على ذهاب جماله ووسامته وهو يقول:
أنا مثل الغزال الذي يصطاده الصياد فيذبحه من أجل المسك الذي في معدته
أنا مثل الثعلب الذي يقتلونه من أجل فروه
أنا مثل الفيل الذي يقتلونه من أجل عاجه
أيها الملك لقد قتلتني ولكن اعلم:
أن هذا العالم مثل الجبل وأعمالنا كالصدا الذي يصطدم بالجبل فإنها تعود مرة ثانية علينا, ثم لفظ الشاب أنفاسه الأخيرة ومات
ارتاحت الفتاة و تخلصت من عشق الشاب الذي أصبح قبيحاً, لأنها كانت تعشق جماله ووسامته ووجهه, وهذه الأشياء غير دائمة فعشقها لم يكن دائمياً.
أما العشق الحي والحقيقي فهو دائم وأبدي, في كل لحظة يشتد توقدا مثل البرعم الذي كل يوم يشتد تفتحاً.
لذلك عليك بانتخاب العشق الحقيقي, العشق الذي انتخبه قبلك الأنبياء والأولياء الذين كبروا وسَمَوا من خلال هذا العشق, ولاتقل ليس لنا طريق في هذا العشق الحقيقي لأن الأعمال الصعبة والشاقة تصبح عند أهل الكرم والمغفرة سهلة.
تمت
والآن هل يمكن الإشارة إلى العبر من هذه القصة ولا أظنها تقصر عن أربعة أو خمسة أو..
بانتظار مشاركاتكم
والله الهادي للصواب
يا أرحم الراحمين
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]